( نور على نور )
المرأة
إعداد وتقديم: الأستاذ أحمد فراج
ضيف الحلقة
د/ عز الدين إبراهيم
الأستاذ أحمد فراج:
ضيفنا في هذه الحلقة أحد أبرز المفكرين المعاصرين، وهو مشتغل أو بالأحرى منشغل بكل ما يتعلق بالفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع الأسرة في نطاق اهتمامه بالقضايا الاجتماعية التي تمس الأمة الإسلامية، وهو أيضًا منشغل بالإسلام، ومعطياته للحياة، والحلول التي قدمها للمشكلات المعاصرة التي تجد في حياة الأمة الإسلامية، وهو أيضًا منشغل بالتحديات التي تواجه العالم الإسلامي، وخاصة فيما يتعلق بقضايا العالم الإسلامي واتصاله ببعضه، وبدول العالم الخارجي وأظن أنه في هذا الإطار سوف تتسع أمامنا المجالات للحديث، لكن يتعين علينا في نفس الوقت أن نتخير مجموعة من القضايا بحيث يتسع الوقت لمناقشتها.
الأستاذة الدكتور عز الدين إبراهيم الذي نشرف به في برنامج نور على نور وهو المستشار بديوان صاحب السمو الشيخ زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والمدير السابق لجامعة الإمارات، منا أنه أستاذ سابق وحالي بعدد من الجامعات العربية والأوروبية، وأستاذنا الدكتور عز الدين إبراهيم، نرحب بكم وسوف نناقش عددًا من الموضوعات الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية، وأظن أن موضوع الأسرة ربما يأتي في مقدمة هذه الموضوعات، ولعل المرأة تقع في القلب في هذا الموضوع.
ونبدأ بالحديث عن وضع ومكانة المرأة في المجتمع؛ من المنظور الإسلامي وفي نفس الوقت مكانها ومسيرتها، في إطار الحضارة الحديثة، وما يتصل بذلك من قضايا.
الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم:
بسم الله الرحمن الرحيم، يجب علي أولاً أن أتقدم إلى الأستاذ أحمد فراج بالتحية والشكر لدعوتي للمشاركة في هذا البرنامج الكبير نور على نور؛ الذي جعل الله له من اسمه نصيبًا موفورًا.
كما أشكره أيضًا على هذه المقدمة السخية التي قدمني بها، وبطبيعة الحال هذا الطرح الثقافي الواسع في مقدمتك، هو دلالة على ثقافتك واهتماماتك أكثر منه دلالة على مقدرتي، وعلى كل حال سألتزم بما سألتني عنه، ونبدأ بالكلام عن الأسرة، وهذا موضوع مهم، وكما تفضلت فإن المرأة هي قلب الأسرة، والإسلام مهتم بالمرأة منذ أربعة عشر قرنًا بينما كان آخرون ينتمون لحضارات أخرى لا يهتمون بالمرأة مطلقًا وقد اعتبر الإسلام المرأة شقيقة الرجل، فالاثنان من أصل واحد، بل ونفس واحدة، موضوع اهتمام الدين، والدين ينبه إلى أن النساء والرجال من أصل واحد، بل ونفس واحدة، كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ﴾ ([1])والنبي صلى الله عليه وسلم خص المرأة بعبارة من جوامع كلمة حين قال صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال)([2]) وقد أعطى الإسلام المرأة كل الحقوق وأولها دون شك حق الحياة، حيث كانت حياتها مهدرة في كثير من الأحيان خاصة زمن الطفولة، حين كان يسهل التخلص منها، بما كان يسمى وأدًا.
فجاء الإسلام بتجريم ذلك وقال الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ﴾([3]) هذا طبعًا للروح كما أن فيه حماية للجنس بصفة عامة، بما يعني أن هذا المخلوق لا يمس، وإذا مس فينبغي أن يكون ذلك بالتكريم لا بالوأد أو بالقتل، وقد حمى الإسلام حقها في أن تكون مستقلة، حتى أنه في عصرنا هذا حين تتزوج المرأة يذوب اسمها في اسم زوجها وأظن أن المعنى المقصود هو وحدة العائلة، ولكن يمكن أن تكون العائلة موجودة وموحدة مع وجود الشخصية المستقلة للرجل والشخصية المستقلة للمرأة، ولا نجد في الإسلام مثلاً لهذا فقد قال تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ﴾([4]) فتظل المرأة حاملة لاسمها الأصلي، وتستمر في الحياة الزوجية منسوبة إلى عائلتها، وبالتالي تشعر المرأة دائمًا أنها تمح ولم تذب بل لها اعتبار وشخصية مستقلة.
الأستاذ أحمد فراج:
أظن أن الحضارة الغربية الحديثة كانت تفاخر بأنه في منتصف القرن العشرين سمح للمرأة أن تحتفظ باسم عائتلها إلى جانب اسم زوجها وقد اعتبروا هذا تطورًا.
الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم:
لقد سبق الإسلام إلى هذا وفي جميع الأوراق الرسمية يقال إن هذه فلانة بنت فلان، زوجة فلان، فشخصيتها إذن موجودة، ولها اعتبار وكيان مستقل.
كذلك أعطاها الإسلام حقًا في أن تحمي من الزيجات الفاسدة، وهذا مهم، وقد حماها الإسلام من زيجات فاسدة كثيرة، ومن أسماء هذه الزيجات الفاسدة: زواج المبادلة، زواج الاستبضاع، اتخاذ الأخدان، الزواج بلا حدود في العدد، زيجات كثيرة حرمها الإسلام، ولم يبق منها إلا الطريقة المعروفة، وهي زواج الرجل بامرأة من طريق شرعي.
الأستاذ أحمد فراج:
أستأذن في كلمة عن كل نوع من أنواع هذه الزيجات.
الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم:
زواج المبادلة، هو أن يقول شخص لآخر أزوجك وتزوجني أختك، يمكن طبعًا أن يحصل هذا في الزواج المعترف به شرعًا، ولكن ليس على سبيل المبادلة، بل على سبيل الاختيار وحرية القرار، وليس على أنه صفقة أو مقابلة، فالذي حرمه الإسلام أن تتم المبادلة كصفقة.
أما زواج الاستبضاع، فهو أمر فظيع جدًا ، الألف والسين والتاء في اللغة معناها طلب الشيء، فالاستبضاع طلب البضاعة، يعني امرأة تعرف عن رجل أنه فارس مغوار وتريد هي ابنًا شجاعًا فتذهب إليه وتطلب منه أن ينجب منها ابنًا ويعتبر ذلك نوعًا من الزواج المرتبط بالاستبضاع، أي أنها تريد هذا الابن من نطفته، ويمكن أن يكون الرجل غنيًا أو وسيمًا أو أي صفة من الصفات، فتستبضع منه بسبب هذه الصفة، وقد أنكر الإسلام ذلك، لأن المرأة تتزوج الرجل لعموم شخصيته، ثم بعد ذلك تأتي الذرية وسوف يكون المولود بطبيعة الحال يشبه والده ويشبه أمه، وأنت سألت عن التفسير هل يوجد هذا الزواج الآن، نعم هو موجود الآن بسبب التأخر في الحمل، وبسبب تعقيدات الحياة العملية والعائلية، حيث توجد بنوك تحتفظ بنطف الرجال وتوضع في الديب فريزر، وعلى كل نطفة شريحة مكتوب عليها صاحب هذه النطفة أو المتبرع وقد يكون عالمًا من علماء الذرة، أو يكون صاحب هذه النطفة موسيقارًا أو فنانًا، أو رجل دين. وتأتي امرأة لا تعرف الأسماء وتختار الصفة التي تريدها حيث تكون هي راغبة في ولد شجاع أو جميل أو فيلسوف أو أي شيء، وتختار ما يناسبها، وأنا رأيت فيلمًا كاملاً عن هذا الموضوع، ذهبت فيه امرأة وصديقاتها إلى مثل هذا البنك واخترن النطفة وتم العمل الطبي بأن تأخذ هذه النطفة وتحمل وتلد من غير أن تعرف هذا الشخص.
وبعدما أنشئت بنوك النطف أصبح هناك بنوك البويضات لنفس الشيء، إذن هو استبضاع، واستبضاع رخيص يعني ربما كان هنالك نوع من الشجاعة الأدبية في أمر (نوكر)([5]) هنا تتم الأمور كلها على هيئة شرائح مجهولة لا يعرف من صاحبها.
الأستاذ أحمد فراج:
أظن أننا تكلمنا مرة عن شيء قريب من هذا وهو أن بعض الناس يحتفظ بهذا الحيوان المنوي مثلاً في بنك لأنه لا يريد الإنجاب حاليًا.
الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم:
الإطار الموجود هو إطار رخيص، والذي ذكرته هو نوع من تأخير الإخصاب بين زوج وزوجته.
الأستاذ أحمد فراج:
لقد ذكرنا بعض المشاكل التي قد تنجم عن ذلك ومنها مثلاُ أن امرأة بعدما أنجبت وجدت أنها قد ولدت طفلاً أسود، لأنه حدث تبديل أثناء التخزين في الثلاجات وأخذت نطفة غيرها.
الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم:
حتى في حالة التخزين من الزوج لصالح زوجته تحدث إشكالات قانونية إذا تم الإنجاب هذا بعد موته.
أما اتخاذ الأخدان فهو يعني اتخاذ العشيقات ولا يسمى هذا زواجًا في تفكير العقلاء ولكنه كان موجودًا أما الزوج بلا حدود، فهو يعني أن للرجل أن يتزوج عشر نساء أو أكثر بلا حدود، وكل هذا حرمه الإسلام وكثير من الناس يتوهمون أن الإسلام فتح باب التعدد، والحقيقة أن الإسلام ضيق باب التعدد، فالتعدد كان موجودً وبلا حدود، فأنزله الإسلام من اللاحدودية إلى الحدودية بأربع زوجات حين قال: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً ﴾([6])وبين أيضًا أن العدل ليس مسألة سهلة فقال: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ ﴾([7]) ولعل الشيخ محمد عبده رحمه الله عليه هو أول من تجرأ على الكلام في هذا الموضوع حين قال أن الرخصة قائمة لا نستطيع أن نحرمها، لكن النصوص واضحة بأن فلسفة الإسلام بالنزول من التعدد المفتوح إلى التعدد الضيق في السابق إشارة واضحة إلى استحباب الوحدانية بين الطرفين.
ومع حماية الإسلام للمرأة من الزيجات الفاسدة أعطاها حق الميراث، ولك يكن لها حق في السابق بل كانت هي تورث مع البضاعة كأنها قطعة متاع.
أما حق التعلم، فالحقيقة أن بعض الناس يأتون بأحاديث موضوعة بأن المرأة لا يجوز أن تتعلم، ونحن نقول إن الإسلام قد أعطى المرأة وطبق هذا الحق في التاريخ الإسلامي إلى مدى لا يوجد له مثيل حتى القرن التاسع عشر، وأول جامعة عتيدة في التاريخ الإسلامي ولعلها في تاريخ البشرية كما أثبت هذا بعض المشتغلين بتأريخ الجامعات في أوروبا وفي أفريقيا الشمالية هي جامعة القرويين، وكلمة جامعة كلمة حديثة وأصلها جامع القرويين، وجامع القرويين موجود في فاس إلى الآن، والتدريس فيه موجود في الصحن، ثم في البلكون المحيط بالصحن، ومازال هذا موجودًا إلى الآن.
وحين ذهبت إلى فاس تعمدت أن أنظر إلى الشبابيك والمشربيات هل هي كما يصفونها في الكتب، فوجدتها كما وردت، وقد أطلقوا على الطابق العلوي اسم المدرسة الفقهية، ولها باب خاص بها، والصحن هو مدرسة الفقهاء، والشيخ يجلس على الكرسي، وكرسي الأستاذية كلمة عربية نقلت بعد ذلك إلى أوروبا، ونحن الذين ابتدعناها، والآن الكرسي هو الدكة التي توضع بجوار المنبر أو قرب المنبر، ويجيء سيدنا ويجلس عليها ويلقي درسه.
وهذا الكرسي هو كرسي الأستاذية، ولما اتسع الأزهر الشريف فيما مضى جعلوا بجوار كل اسطوانة (دكة) أو كرسيًا وقيل هذا كرسي النحو، وهذا كرسي الفقه، وهذا كرسي البلاغة، وهذا كرسي كذا، وتدريس الطب هو جزء من برنامج جامعة القرويين ولكنه يتم الآن في مستشفى.
فالبنت سمح لها بأن تسمع كل ما يسمعه الرجل لا يقال أنت في مستوى المرحلة الابتدائية فاذهبي للبيت أو الإعدادي وسوف يزوجك أبوك.
والمرأة في أمريكا لم تدخل الجامعة إلا بعد سنة 1900م، نعم كان يوجد نساء متعلمات وشاعرات، ولكن نحن لا نتكلم عن التنظيم التعليمي، التنظيم التعليمي لم يقنن تعليم المرأة على المستوى العالمي إلا متأخرًا جدًا يعني بدايةً من القرن التاسع الميلادي.
الأستاذ أحمد فراج:
وعلى ذكر كرسي الأستاذية أظن ذكرنا الأستاذ الدكتور محمود علي مكي مرةً أن المساجد الكبيرة يكون بها عدد كبير جدًا من الناس لا يستطيع أن يبلغه صوت أستاذ الكرسي فكان يأتي بواحد يردد له الكلام.
الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم:
وكان اسمه المعيد.
الأستاذ أحمد فراج:
نعم والكلام الذي يقوله الأستاذ يعاد مرة أخرى من قبل المعيد.
الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم:
نظام الكرسي من عندنا، نظام المعيد من عندنا، الروب الجامعي من عندنا، وهذه إضافة ليست في الموضوع، فأول من قدم الروب الجامعي عم المغاربة في مسجد القرويين، وذلك بلبس القفطان الأبيض الذي يتدلى من الخلف، وهذا زي العلماء، وكانوا يحرصون في يوم انتهاء الدراسة وإعطاء الأجازات أي الشهادات أن يحصل موكب في المدينة وأن يتقدم في هذا الموكب شيخ على حصان أبيض، ولابد أن يكون الروب أبيضًا والشيخ على حصان أبيض، ومن خلفه العلماء ومن خلف العلماء الطلاب، ويجوبون المدينة ثم يعودون إلى المسجد، وكأنهم يعلنون أن العلماء الصغار الآن قد أتموا دراستهم، وسوف يأخذون أجازاتهم، هل تعرف أن هذا الموكب يوجد إلى الآن في أكسفورد وهو قد بدأ في فاس المغربية.
إذن أعطى الإسلام المرأة هذه الحقوق وحماها ثم بعد ذلك فتح الباب كل ما يتمتع به الرجال من حقوق يتمتع به النساء، إلا ما يخصص بنص لأنه تظل هناك أمور للرجال وأمور للنساء، وحدث أن جاء بعض النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن لا نرى كل شيء إلا للرجال وما نرى العشاء يذكرن بشيء؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية الجامعة في سورة الأحزاب([8])واسمح لي أن أقرأها لأنها آية رائعة، جمعت الآداب وجمعت السلوكيات والأخلاق والالتزامات التي تلزم الرجال والنساء، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾([9]).
الأستاذ أحمد فراج:
وتبقى الآيات العامة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ٌ﴾ لتشمل الاثنين، وأنا أظن أن إحدى أمهات المؤمنين سمعت في المسجد: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ فوضعت الخمار على رأسها وأرادت أن تخرج وقالت لمن عندها ألسنا من الناس وخرجت لتسمع أوامر الله تعالى.
الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم:
إذن موضوع حقوق المرأة في الإسلام موضوع مطروق وألف فيه الكثير من الكتب خلال هذا القرن.
خلال هذا القرن أقول ارتجالاً أسماء كتب كثيرة ابتداءًا من مصطفى صبري المفتي العثماني في بداية القرن ألف كتابًا بعنوان” قولي في المرأة ” الشيخ مصطفى السباعي رحمة الله عليه ألف كتاب” المرأة في الفقه والقانون”([10])، محمد رشيد رضا وهو لبناني الأصل وإن كان قد أقام في مصر ونسى الناس أصله، كتب رسالة لطيفة بعنوان ” نداء إلى الجنس اللطيف في يوم مولد النبوي الشريف” وكتب فيها حقوق المرأة بلغة لطيفة جدًا وطبعها صاحب المكتب الإسلامي في بيروت بعنوان ” حقوق المرأة في الإسلام”، والبهي الخولي من مصر، يعني عشرات الأسماء إلى أن تصل إلى الموسوعة العظيمة التي ظهرت منذ سنين للأستاذ عبد الحليم أبو شقة وعنوانها ” تحرير المرأة في عصر الرسالة” وهي مكونة من ستة أجزاء.
الأستاذ أحمد فراج:
على ذكر تحرير المرأة قاسم أمين له كتاب بهذا العنوان.
الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم:
كلمة تحرير المرأة أول من استخدمها العرب هو قاسم أمين عام 1899م، وقاسم أمين درس في الأزهر، ثم في فرنسا وهو رجل من عائلة ميسورة الحال، وكان يدرس في جامعة مونبليه، ودرس اللغة الفرنسية، وفرنسا كانت مستقرًا للعلم والحضارة في ذلك الوقت، الدول العظمى الآن لم تكن كذلك في ذلك الوقت، وظهرت حركة تحرير المرأة، لأن المرأة كانت تعامل معاملة العبيد، ولم تستخدم هذه الكلمة في التاريخ بشكل متميز في إطار بين أحدهما تحرير المرأة، والثاني تحرير العبيد، وأشير من أعلن ذلك هو إبراهام لنكولن في 1863م.
على كل حال كلمة التحرير هي مصطلح أوروبي يعني إخراج المرأة من الضيق والإهمال كانت فيه، وقد استخدمت كلمة تحرير المرأة نطاق ضيق من الناحية الاجتماعية، منهم من الناحية التعليمية يطالبون بتعليمها، ومن الناحية الاقتصادية يطالبون لها ببعض الحقوق المالية، أما الحقوق السياسية فلم تأتي إلا متأخرة، وبعد ذلك جاءت الثورة الفرنسية فغذت هذا الاتجاه.
وجاءت حركة المطالبة بالحقوق السياسية وحقوق الانتخاب متأخرة أيضًا.
الأستاذ أحمد فراج:
ومما يؤكد هذا المعنى، أن الحقوق التي كفلتها الشريعة الإسلامية للمرأة ما زالت سابقة على غيرها حتى يومنا هذا.
الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم:
نعم ففي الإسلام، توجد ذمة مالية للرجل وذمة مالية للمرأة، وإن أرادا أن يخلطا المال معًا، فلهما ذلك، ولكن لها الحق أن تستبقي مالها، ولا يجوز له أن يمانع وكثير من الناس لا يفهم أحكام المواريث في الإسلام، ورقيها وعدالتها، فالأولاد يرثون من الوالدين والآباء يرثون من أبنائهم، والزوجة ترث من الزوج والعكس، وعندما لا يكون هناك أبناء الأخوة والأخوات يدخلون في الميراث، يعني طبقة كبيرة تستفيد من الميراث، وتوزيعه في الإسلام توزيع مفصل دقيق ومع لا يعرف الناس منه إلا أجزاء بسيطة يتكلمون فيها دون أن يفهموها كما في قوله تعالى: ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ﴾([11])وهذا محصور في فرع واحد وهو ميراث الأبناء من الآباء، ولا يعرفون شيئًا عن ميراث الآباء من الأبناء ولا يعرفون شيئًا عن ميراث الأزواج من الزوجات، والزوجات من الأزواج، والأخوات والأخوة من إخوانهم، والأقارب عندما يقتضي الأمر في نظام دقيق لا يأتيه الباطل أبدًا.
الأستاذ أحمد فراج:
وهناك أيضًا حالات يتساوى فيها ميراث الرجل والمرأة.
الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم:
نعم، توجد حالات كثيرة.
الأستاذ أحمد فراج:
وهناك حالات يزيد فيها ميراث المرأة على الرجل، وأنا كنت أريد أن أسأل سؤالاً مهمًا عندما نجد من المفكرين من يتحدث عن تحرير المرأة بصرف النظر عن اقتباس هذا الاسم من مصطلح غربي أو عدمه لكن هل يدل هذا على أن مسيرة الحركة النسائية في الأمة الإسلامية حديث لها بعض التراجع مما أوجب على بعض المفكرين أن يطالبوا لها بتحرير أو حقوق لم تنلها هذا سؤال، والسؤال الثاني، أين مكان هذه المسيرة من المسيرة العالمية للحركة النسائية في العالم.
الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم:
الذي حدث هو أن تعاليم الإسلام في تكريم المرأة مرت عليها فترات فنسيت أو تجاهلوها، وبدأ الناس يتعثرون بمعطيات محلية في بلادهم، يعني مثلاً الحكم الشرعي في الإسلام هو أن تسير المرأة ولا يبدو منها سوى الوجه والكفين، طبعًا هناك آراء أخرى تتكلم عن الغطاء والنقاب، ولكن هناك راجح وهناك مرجوح، وأنا قلت ما ذهب إليه المحققون أن هذا هو الستر المطلوب لكن هناك من يحاول أن يزيد لأن التقاليد الموجودة تقتضي هذا.
وهناك مثال ازدراء المرأة بوضع الأحاديث مثل ما قيل: ” شاوروهن وخالفوهن “([12])وقيل أن هذا حديث، وكيف يكون هذا حديثًا، وهل هو حديث أم درس في النفاق، ماذا يعني شاوروهن وخالفوهن، لا تشاوروهن أصلاً، إذا كنت تريد أن تخالفهن فلا تشاورهن، وقد أثبت المحققون أن هذا الكلام لا أصل له.
وابن خلدون في الفصل الخاص بعلم الحديث في المقدمة قال جملة، أريد أن أقولها الآن، لكن لا أجيز لعامة الناس أن يطبقوها بأنفسهم، ولكنها في أيدي العلماء يقول ( إذا رأيتم الحديث يخالف الفصول ويناقض المنقول ويباين المعقول فاعلم أنه موضوع ).
وليس معنى هذا أن يجيء شاب ويقول إن هذا الحديث يخالف المعقول عندي فهناك علم الرجال وعلم التجريح والتعديل، ويوجد علم الرواية والدراية، ويقوم بهذا المحققون، لكن هذه المعايير التي قالها ابن خلدون تعطيك فكرة أن الحديث قد يكون غير صحيح لمخالفته العقل والنقل بوضوح.
أما السؤال الثاني الذي يعني بالحركة النسائية، فأحب أن أقول إن الحركة النسائية في أوروبا لم تستمر كما بدأت، بالتركيز على معاني الأمور، بل دخلت في سخافات، خصوصًا بعد الستينات، حيث حدث نوع من الإباحة، والتفلت، ومن هذا ما عرض في مؤتمر السكان في القاهرة وذكر فيه إباحة الشذوذ بأنواعه المختلفة، كما تكلموا فيه عن مفاهيم جديدة في الزواج أسوأ من نكاح الاستبضاع والمبادلة واتخاذ الأخدان وفي برنامج رصين من هذا النوع لا يستطيع الإنسان أن يفصح عن كل ما يحدث في الحركات الجديدة من انحلال وإباحية.
الأستاذ أحمد فراج:
لقد أشرتم إلى المؤتمر الذي عقد في القاهرة وقد كان لي شرف العضوية في وفد مصر المشارك في هذا المؤتمر، وأعلن فيه رسميًا أن جمهورية مصر العربية قررت أن أي قرار أو توجيه يصدر عن هذا المؤتمر ويخالف الشريعة الإسلامية فهي تتحفظ عليه.
الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم:
كان الموقف المصري صارمًا من قبل المسلمين والأزهر والأقباط لذلك الموقف في الفاتيكان كان صارمًا، وكذلك كان الموقف صارمًا جدًا ومن السياسيين المصريين في هذا الوقت، وهذا موقف متقدم ضد السخافات، ضد الشذوذ والزواج المثلي، فما معنى أن يتزوج رجل رجلاً مثله، وامرأته تتزوج امرأة مثلها، هذه السخافات تعني هبوطًا بمعنى تحرير المرأة إلى الابتذال من الغرب، في شيكاغو كنت في فندق أنتظر السيارة لتذهب بي إلى المطار، ودخلت إلى مقهى لأشرب القهوة، وأنا أعلم أنه إذا كان في الفندق بار أن تكون الساقية أي البنت التي تخدم متعرية إلى حد كبير، ولكن لم أتوقع في المقهى أن تخدم في بيع القهوة تكشف عن ساقيها وتكشف عن كذا وكذا، وشعرت أن هذه الشابة المسكينة التي تأخذ مرتبًا بسيطًا أجبرت على أن تعطي نضرتها وجمالها في مقابل شراء فنجان قهوة لصالح صاحب الفندق.
وهذا المنظر جعلني أفكر في ذلك الوقت في المعنى الظاهر، معنى الإهانة والإذلال، وهذا خطأ مركب من ناحيتين الخطأ الأخلاقي في السلوك، والخطأ الاجتماعي في حق المرأة.
والمثال الثاني في باريس: أيضًا وكنت ذاهبًا إلى المطار بعد صلاة الصبح تقريبًا، فوجدت سيدات يذهبن بالمكانس لتنظيف محطات المترو، وشعرت بأن المرأة يسمح لها بالعمل، ولكن هل يصح أن تبتذل إلى هذا الحال في الساعة الرابعة صباحًا وفي الظلام، يذهبن ليكنسن الشوارع، ألا يوجد من الرجال من يفعل هذا، أعطوا المرأة حق العمل ولكن كرموها ولا تذلوها ولا تبيعوها.
فهذا هو الذي حدث في حركة تحرير المرأة وعلى كل حال حركة تحرير المرأة المسلمة بينها وبين نفس هذه الحركة في العالم، عموم وخصوص، العموم في كوننا نريد أن نكرم المرأة، والخصوص أنهم هم يكرمونها بطريقة هي في الحقيقة إهانة لها، ونحن نريد مع تكريمها أن نحتفظ بخصوصيات الأنثى المخلوق الرقيق أو الجنس اللطيف، بخصوصيات الأم وخصوصيات البنت حتى تسترد الأسرة تماسكها، وتصبح كما كانت اللبنة الأولى في بناء المجتمع.
الأستاذ أحمد فراج:
سوف نكتفي بهذا القدر في هذا اللقاء الذي تناولنا فيه واحدًا من الموضوعات الهامة، التي تتعلق بالجانب الاجتماعي في الإسلام، وكان الحديث يدور عن المرأة باعتبارها الركن الركين للأسرة، يبقى أن نقدم خالص الشكر للأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم المستشار بديوان صاحب السمو الشيخ زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، والرئيس السابق لجامعة الإمارات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
( [2] ) حديث صحيح، رواه أبو داود 1/111، والترمذي 1/189.
( [5] ) كلمة غير واضحة في السياق.
( [10] ) كلمة غير واضحة في السياق.
( [12] ) حديث موضوع لا أصل له، الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة 1/130.