هذا بلاغ للناس
(المرأة)
إعداد وتقديم: الأستاذ أحمد فراج
ضيوف الحلقة:
د/ محمد عمارة
أ/ بسيمة الحقاوي
الأستاذ أحمد فراج:
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في حلقة سابقة، بدأنا نتكلم عن قضايا المرأة في المجتمع العربي الإسلامي، مع تفصيل عن المرأة المسلمة في المغرب، ويسعدنا أن نستضيف في هذه الحلقة الأستاذ الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي المرموق، والأستاذة بسيمة الحقاوي عضو البرلمان المغربي، والأمين العام لمنظمة تجديد الوعي النسائي، وعضو مجلس الشورى عن حركة التوحيد والإصلاح في المغرب، إلى عديد من الفاعليات التي تمارسها والحقيقة أننا تكلمنا عن اختلاف الأيدلوجيات الساندة في البلاد العربية والإسلامية، وكيف أنها تفرز اختلافًا في الرؤى لكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وقلنا إن أبرز ما تنعكس عليه آثار هذه الاختلافات قضايا الأسرة ومن ثم موضوع المرأة والنظرة إلى المرأة والتنافر أو التجاذب بين تيارات مختلفة في المجتمعات العربية الإسلامية بعضها يحاول أن يشد المرأة للنموذج الغربي بكل معطياته، الإيجابي منها والسلبي، وفي بعض هذا الإطار كان حديثنا عن المرأة في المغرب والدول العربية بعامة؛ لأنها قضية تمس المجتمع وتمس الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية، ومن بين ما أثير في الحلقة السابقة التي تثار حول موقف الإسلام من المرأة، ومن ضمن المسائل المطروحة موضوع المساواة بين الرجل والمرأة، وموضوع شهادة المرأة وكونها نصف شهادة الرجل، وما قد يعنيه هذا من انتقاص من مكانة المرأة، أيضًا موضوع الميراث، وكون المرأة تأخذ نصف نصيب الرجل، وأصحاب هذه الشبهات يعترفون أنه عندما جاء الإسلام كانت المرأة نفسها تورث ضمن المتاع، فأعطاها الإسلام بعض الحقوق، وكلن من وجهة نظرهم مع التطور الموجود في العالم ينبغي أن يعاد النظر في حق المرأة في الميراث، وسوف أستأذن في أن أضع الموضوع برمته بين يدي الدكتور محمد عمارة ثم نستمع لرأي الأستاذة بسيمة الحقاوي.
الأستاذ الدكتور محمد عمارة:
بسم الله الرحمن الرحيم، صلاةً وسلامًا على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، سوف أبدأ بواقعة قد تبدو طريفة، في السياسة يقولون إن أقصى اليمين وأقصى اليسار يقفان على أرض واحدة. وهي الأرض الخطأ، وأنا أثناء مؤتمر بكين 1995م، زارتني بعض السيدات المسلمات الذاهبات إلى بكين وقلن أنهن ذاهبات لعرض وجهة نظر إسلامية في الموضوع، وقد كتبن عن الميراث كلامًا قلن فيه إن المرأة قبل الإسلام لم تكن ترث، فأنصفها الإسلام وأعطاها النصف، فقلت لهم: إن هذا الكلام هو نفس ما يقوله نصر أبو زيد، فإذا كان الإسلام قد أعطاها النصف قبل 14 قرنًا، فالمفروض تاريخيًا وبمنطق التطور ألا تأخذ مثله بل أكثر منه – مادامت المسألة بالأقدمية – وهذه القضية للأسف الشديد بها خطأ في التصور عند بعض الإسلاميين، فالإسلام في قضية الميراث لم يضع الذكورة والأنوثة معيارًا من معيار التفاوت في الميراث بل جعل هناك ثلاثة معايير الأنصبة والتفاوت فيها أولها درجة القرابة، فكلما كان الوارث في درجة أقرب للمورث (المتوفى) يكون نصيبه أكثر، والعامل الثاني هو موقع الجيل الوارث، وهنا حكمة تبين لنا عظمة الإسلام وأنه تدبير عليم حكيم، فكلما كان الجيل الوارث صغيرًا في السن كان ميراث أكبر، أي أن الجيل الذي يستقبل الحياة والأعباء يأخذ نصيبًا أكبر من الجيل الذي يودع الحياة ويتخفف من الأعباء، فعلى سبيل المثال: عندما يموت إنسان ترث ابنته أكثر من أمه، وهذه أنثى وتلك أنثى، وقد تكون هذه البنت رضيعة لم ترى أباها، كذلك ابن المتوفى يرث أكثر من أبيه، وهذا ذكر وذاك ذكر، فالقضية ليست قضية أنوثة أو ذكورة، العامل الثالث في تحديد الأنصبة أن المرأة ترث على النصف من الذكر إذا تساويا في درجة القرابة لأن هناك تفاوتًا في العبء المالي لكل منهما ولذلك لم يقل الله سبحانه وتعالى: ” يوصيكم الله في الوارثين ” بل قال: ﴿ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ﴾([1])لأنهم تساووا في درجة القرابة والابن الذكر سيعول إنسانة وينفق عليها، فهو يتكفل بمهر وبيت وكل شيء، أما البنت فيعولها إنسان، أي أن الإسلام عندما يعطي البنت النصف فإنه يميزها عن أخيها، وهذا ليس ظلمًا يريده الإسلام، حاشا لله، وإنما حفاظًا وتأمينًا يستقطبها، ولذلك إذا رأينا مفردات، وخريطة الفرائض والمواريث، نجد أن المرأة ترث على النصف من الرجل في أربع حالات، بينما ترث مثل الرجل في أربع حالات، بينما ترث مثل الرجل أو أكثر من الرجل أو ترث ولا يرث الرجل في أكثر من ثلاثين حالة، وهذا مسجل بالإحصاءات في علم الميراث، إذن الناس ليست مدركة فلسفة الإسلام في الميراث ولذلك أصبحت القضية في نظرهم أن المرأة نصف إنسان لمجرد أنما ترث النطق به، وبعض الناس يقولون: قديمًا كان الرجل هو الذي ينفق، والآن فالمرأة تعمل، ولها دخل، وتنفق في البيت مثل الرجل، مع أن الفطرة مازالت تقول إن الإنفاق في الأسرة يجب على الزوج وأن المرأة عندما تنفق فإنها تنفق متطوعة، وإن لم تنفق لا تجبر على ذلك، ولكن الرجل يجبر على النفقة على أسرته وأنا أظن أنا علينا إغلاق هذا الملف المتعلق بشبهة ظلم المرأة في الميراث، عن طريق الدراسة العلمية وإحصاء حالات ميراث المرأة في جدول المواريث.
الأستاذ أحمد فراج:
ذكرتم في أثناء كلامكم ثلاثين حالة ترث فيها المرأة أكثر من الرجل أو ترث هي، ولا يرث هو أصلاً؟
الأستاذ الدكتور محمد عمارة:
نعم، هناك أكثر من ثلاثين حالة ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، أو لا يرث فيها الرجل أصلاً، مقابل أربع حالات يرث فيها الرجل أكثر من المرأة، وهناك كتيب صغير كتبه الدكتور صلاح سلطان وهو رئيس الجامعة الإسلامية في أمريكا عن ميراث المرأة وقضايا الأسرة وقد قمت بنشر هذا الكتيب، ووضعت له مقدمة، وقد أتى فيه بجداول إحصائية بكل حالات الميراث، وهو منشور ومتاح.
الأستاذ أحمد فراج:
أحب أن أسمع من الأستاذة بسيمة الحقاوي، هل هناك ملاحظة أو تعقيب على هذه النقطة.
الأستاذة بسيمة الحقاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين لقد استمعت إلى المداخلة السابقة، ووقفت عند الذين ينادون بضرورة الاحتفاظ بهذه الأحكام معللين ذلك بأن الإسلام أعطى المرأة نصف نصيب الرجل وهذا شيء إيجابي، ويجب أن نكتفي به، وأنا معهم في أنه يجب الاكتفاء به؛ لأنه حكم شرعي قطعي لا يقبل النقاش، والقاعدة الشرعية أنه لا اجتهاد مع النص، ولكن لا أقبل أن يقال، إنه يجب أن نقبل بهذا لمجرد أن الإسلام أعطى لها بعض الحقوق بعد أن كانت تباع وتشتري، فعلى هؤلاء أن يصححوا عقيدتهم؛ لأن الطعن في الحكم الرباني والتشريع الإسلامي يمثل مشكلة في العقيدة قبل أن يكون شيئًا آخر، والذي يقول بمراجعة هذه النصوص والأحكام، لابد أن يراجع هو عقيدته أولاً، لأن هذا الدين دين البشرية كلها، ولابد أن ننشره في كل بقاع الدنيا، في كل زمان ومكان، فإذا ما قلنا إن هذا الدين جاء ونزل على سيدنا محمد في فترة معينة كانت فيها المرأة تباع وتشترى، وأن نصف نصيب الرجل يكفيها نظرًا للوضع الذي كانت تعيش فيه، والآن هناك وضع آخر تعيش فيه المرأة، فهل تستغني عن هذا الحكم الشرعي لمجرد أن المرأة أصبحت في وضع غير الذي كانت فيه، نحن نرفض أن نقبل ما جاء من النص القرآني على أنه خاص بالمرأة في فترة زمنية معينة وإلا سننفي عن القرآن كونه كلام الله المنزه، الصالح لكل زمان ومكان.
الأستاذ أحمد فراج:
هذا كلام طيب، وأظن أن هناك اتفاقًا عليه في رأيي.
الأستاذة بسيمة الحقاوي:
نعم .. المسألة الثانية في رأيي أننا نقرأ دائمًا لنصوص على حرف واحد، بتفسير واحد، وقد تفضل الدكتور محمد عمارة ببيان التقسيمات الموجودة في الإرث، وحتى تكتمل الصورة بالنسبة للشبهات، سأنقل النقاش إلى شبهة أخرى حتى تكتمل الصورة، وهذه الشبهة جزء منها يتعلق بالرجل وهي مسألة القوامة، وجزء آخر في مقابلها يتعلق بالمرأة والحديث الذي جاء فيه أن المرأة ناقصة عقل ودين.
الأستاذ أحمد فراج:
عفوًا سيدتي أنا سوف أصل معك لهاتين النقطتين بعد ذلك، لكن أحب أن ننتهي من هذه النقطة ومن مضمون كلام حضرتك وكلام الدكتور عمارة، أظن أن من واجبنا كمسلمين أن نتناول الإسلام بشكل شامل لا يخل بسلامة النظرة للأحكام بمعنى أننا حين نأخذ كل جزئية بصورة منفصلة عن الأخرى لا يتضح وضعها في الإطار الإسلامي، لكن إذا وضعناها في السياق العام لمنظومة التشريعات الإسلامية التي تفترض كما تفضلت أن الرجل يتحمل أعباءً معينة، حتى لو تغيرت هذه الأعباء وأصبحت المرأة مشاركة فهناك أعباء أخرى يسمونها بالنفقات الواجبة، كالإنفاق على الأب والأم وأنا رأيت هذه النماذج في أوروبا، فقد اصطحبني أستاذ جامعي لزيارة بلده الريفي الجميل وأثناء الزيارة رفع يده لشخصين وحياهما، فسألته ما هذا المكان؟ فقال: هذا المكان مخصص لكبار السن، وهذان هما والدي ووالدتي، فقلت له أنت لم تسلم عليهما، فقال لقد رأيتهما منذ ستة أشهر وهذا شيء غير طبيعي بالنسبة لنا كمسلمين، فالإسلام سبق الدنيا كلها بوضع هذه المنظومة التشريعية الشاملة التي تتضمن المواريث، وأرجو ألا يفهم أننا نقدم الإسلام في صورة إعتذارية، أو نبرر التشريعات الإسلامية، لأن هناك منظومة متكاملة نؤمن بعمومها وشمولها، ولن نكون أعدل من الله سبحانه وتعالى ولا أحكم منه ولا أعلم.
الأستاذ الدكتور محمد عمارة:
أولاً نحن لا نريد الرد على هؤلاء الذين يشككون، ثانيًا نريد أن نقول بصراحة إننا لا نفهم النص القرآني، في عام 1903، كانت هناك امرأة مصرية لها أسهم في شركة قناة السويس، وكانت في ذات الوقت شركة فرنسية وأرادت أن تبيع أسهمها فرفضت الشركة، وقالت أن القانون الفرنسي يقول أن زوجك هو المتصرف في أموالك، فأرسلت هذه المرأة رسالة إلى الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية في هذا الوقت، وقد أتت بهذه الفتوى من سجلات الحقانية – وزارة العدل التي تتبعها دار الفتوى – فمن الذي يعلم أن المرأة كانت لها ذمة مالية مستقلة قررها الإسلام قبل 14 قرنًا .
الأستاذ أحمد فراج:
بعد مائة عام من هذه الفتوى ما زالت الأمور كما هي، والشبهات تعرض لنفس العرض، في حين أنها لا تصمد أمام الرد الشرعي السليم.
أحب أن تشاركنا الأستاذة بسيمة إن كانت لها ملاحظة.
الأستاذة بسيمة الحقاوي:
أريد أن أرجع إلى ما تفضلتم به؛ لأنه مهم جدًا، وأنا ضد أن نبقى في الصفوف الدفاعية ويكون عملنا هو مجرد رد الشبهات، والاعتذار، لذلك لابد أن نتناول الموضوع من جهة أخرى، وهي أن الإسلام يشمل منظومة دينية علمية واجتماعية شاملة، وبالتالي لا يمكننا مناقشة جزء من هذه الأحكام دون أن يكون نظرة عامة لباقي مكونات هذه المنظومة، وبالتالي تطرح علينا الإشكالية التالية هل يتغير الحكم بتغير الواقع بحيث نلوي عنق الحكم حتى يصبح مطابقًا ومنسجمًا على الواقع، أم يجب أن نحافظ على واقعنا بهويته الإسلامية الأصلية هناك شبهة أخرى أعتبرها أم الشبهات، لأنها تتعلق في جانب منها بالرجل وفي الجانب الآخر بالمرأة، وهذه المكانة سوف تساعدنا على إزالة الشبهات وأنا لست من الذين يتبنون المنهج الدفاعي أو التبريري، وإنما أوضح قراءتي للنص، فيما يخص القوامة، الآية الكريمة تقول: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ ﴾([2])هناك قراءات ترى في القوامة نوع من تسلط الرجل على المرأة، وتمكينه من وضعية اتخاذ القرار ومراعاة السيدة وتوجيه المرأة في كل شيء، والقوامة هنا مختزلة جدًا، قد نربط النفقة التي تحق لمن ينفق بنوع من الأريحية في التيسير([3])ونوع من الأولوية في التيسير إذا ما كان ينفق وهذا واقع أيضًا، ولكن عندما نتحدث عن القوامة المجردة في غياب طرح موضوع النفقة نكون قد قمنا بقراءة مخلى بالنص، لأن القوامة كما طرحت هنا لها علاقة بالنفقة وقراءتي لهذا النص تعطي وضعية مريحة جدًا للمرأة لأنها تستفيد من الجهد الذي بذل من الرجل، فالرجل مأمور بموجب هذه الآية بالكفاح والاجتهاد.
الأستاذ أحمد فراج:
هذا هو الوضع الطبيعي، فمنذ البداية يا أستاذة بسيمة قال الله تعالى لآدم: ﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾([4])
الأستاذة بسيمة الحقاوي:
نعم والأصل أن يشقى الرجل وليس المرأة، وأنا أعتقد أن هذه الآية في صالح المرأة لا ضدها، وأن الرجل يتحمل مسئولية كبرى، والذي يستفيد من تحمل الرجل هذه المسؤولية هي المرأة ونحن في بعض الأحيان نطالب للمرأة لحقوق ليست في صالحها، لأن الذي شرع من خلال هذه الآية هو الله سبحانه وتعالى، وهو العليم الحكيم فهو أدرى بنا من أنفسنا، ويجب أن نتعامل مع النص بهذه الخلفية؛ أنه حكم الله وأن من وراءه حكمة ثم لابد أن تقرأ النص قراءة جيدة، لأنه حتى المقياس المصلحة الذي تتداوله الآن الدول المتقدمة؛ هذا النص في مصلحة المرأة، والذي يقوم على الجانب الآخر ستتحدث عن الحديث الذي ثبتت صحته إن المرأة ناقصة عقل ودين([5])، وسواء تعلق الأمر بمن يطرحه، لتنقيص أهلية المرأة أو بالنسبة للذين يدافعون عن هذه الشبهة، لا أحد يتم الحديث ويقرأه إلى آخره، ونص الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ” يا معشر النساء ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن ” فإذن بنص الحديث تستطيع المرأة أن تذهب بلب الرجل، إذن فهي أكثر عقلانية من الرجل، وليس أي رجل بل الرجل الحازم، إذن فالمرأة تستطيع أن تذهب بأكبر ما يميز الرجل وهو العقل، وبالتالي فهي عاقلة ومع ذلك يجب الاعتراف بأن هناك فروقًا بين المرأة والرجل.
الأستاذ أحمد فراج:
الأستاذة بسيمة أحسنت، جزاك الله خيرًا، ولا أستطيع أن أضيف شيئًا إلى ما تفضلت به، ولكن سأتكلم عن فكرة القوامة، وعندي سؤال صغير، هل القوامة المذكورة في الآية هي قوامة الرجل على المرأة في البيت فقط، أم هي قوامة في كل شئون الحياة؟
الأستاذة بسيمة الحقاوي:
أنا أعتقد أن هذه الآية لم تعط حقها من القراءة والتأمل والاجتهاد، وأعني الآية الكريمة المتعلقة بالقوامة، ولابد أن تطرح هذه الآية من جديد ليتناولها المجتهدون من العلماء، وما أقوله أنا في هذا المجال ما هي إلا تأملات وأنا لا أتدخل في النص بالاجتهاد أو بقراءته قراءة فقهية، بل أعتبر أن هذا النص له عدة أوجه لم نتمكن بعد من فهمها، وأنا أعتقد أن القوامة في الأسرة هي الأصل، والآية الكريمة تستحق التأول والاجتهاد فيما يخص القوامة داخل الأسرة.
الأستاذ أحمد فراج:
شكرًا للأستاذة بسيمة، ولكن عندنا في الحديث الشريف هناك نقصان للعقل ونقصان للدين، فما هو فهم حضرتك لهذا الحديث؟
الأستاذة بسيمة الحقاوي:
بالنسبة لهذا الحديث وضح النبي صلى الله عليه وسلم أن نقصان الدين من الحيض والنفاس، والمرأة في هذه الفترات الزمنية لا تستطيع أن تقوم بكل عباداتها كالصلاة والصيام، والصلاة هي عماد الدين، وعندما تتوقف المرأة عن الصلاة في مدة زمنية معينة فهي تتوقف عن ممارسة ركن مهم من أركان الدين، كما أنها أيضًا في هذه الفترة لا تصوم مع أن الصيام ركن من أركان الإسلام، أما بالنسبة لنقصان العقل، فلا شك أن حالة المرأة الصحية في هذه الفترة تؤثر عليها، وتجعلها في حالة مزاجية مختلفة، مما يؤثر على النقصان العقلي بلا شك.
الأستاذ أحمد فراج:
يمكن أن نقول إن هذا النقصان نقصان في كم الدين وليس في كيف الدين، ولذلك تحتفظ المرأة بكل مقوماتها السلوكية والأخلاقية حتى في فترة نقصان الدين التي لا تصلي ولا تصوم فيها، شكرًا للأستاذة بسيمة الحقاوي، وأود أن أنقل الحديث إلى الأستاذ الدكتور محمد عمارة وأحب أن أسمع رأي حضرتك في هاتين الشبهتين.
الأستاذ الدكتور محمد عمارة:
أولاً ملاحظات عدة كمقدمة للحديث في الموضوع أولاً أنا أتحفظ على وصف الدول الغربية بأنها دول متقدمة، لأنها متخلفة ومتأخرة في موضوع الأسرة، ثانيًا رد الشبهات منهاج إسلامي، وهناك فارق بين رد الشبهات أو الدفاع عن الإسلام وبين الاعتذار عن الإسلام، الدفاع عن الإسلام جهاد، ونحن من كثرة خوفنا من الغرب نخاف أن ندافع عن الإسلام حتى لا يقال إننا نعتذر، هناك فارق بين الاعتذار، وبين الدفاع عن الإسلام.
الأستاذ أحمد فراج:
نحن نقول المواقف الاعتذارية لأنها أصبحت سمة غالبة، فعلى سبيل المثال أحداث 11 سبتمبر في أمريكا، رغم أنه ليس معروفًا من هو الجاني الحقيقي حتى هذه اللحظة كان أول شيء فعلناه أن قلنا إن الإسلام بعيد عن الإرهاب وأن الإسلام يلعن الإرهاب ويدينه فأدخلنا أنفسنا دائرة الاشتباه بدون داع.
الأستاذ الدكتور محمد عمارة:
نحن ضد المنهج الاعتذاري، ولكن الرد على الشبهات فريضة، وموضوع القوامة، يعني القوامة داخل الأسرة وليس المجتمع، أما موضوع النقص في العقل والدين، هناك نقص مذموم، ونقص لا ذنب لك فيه، لذلك أنا أقول إن المرأة أعطيت رخصة، والله يجب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه، ([6])، وأنا أتحفظ على موضوع النقص في حكم الدين وليس في كيف الدين، فهي لو صلت أثناء الحيض أو النفاس تكون آثمة، وشبيه بهذا القصر في الصلاة أما نقص العقل فهو غلبة العاطفة على الحسابات العقلية الجامدة والمجردة، فالرجل تغلب عليه الحسابات العقلية أما المرأة فيغلب عليها الحسابات العاطفية، لذلك هي تعطي بلا حدود، أما بالنسبة للحديث الشريف فقد قاله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فهو نوع من الترخية، وأنا أقول إن النظر في هذا الحديث دون إدراك ملابسات ورود هذا الحديث يمثل عيبًا في حق المسلم، ولو كان هناك نقص مخل في العقل كما يظن البعض لكانت التكاليف الإلهية غير واجبة عليها، أو بصورة أقل من الرجل، ولكن الحاصل أنها مكلفة مثل الرجل،﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾([7])
الأستاذ أحمد فراج:
في نهاية اللقاء أتقدم بخالص الشكر للأستاذة بسيمة الحقاوي عضو البرلمان المغربي والأمين العام لمنظمة تجديد الوعي النسائي بالمملكة المغربية، وأستاذنا الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي المرموق، وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
( [3] ) كلام غير واضح أو سياق غير متصل.
( [5] ) حديث صحيح، متفق عليه، صحيح البخاري 1/116، صحيح مسلم 1/86.
( [6] ) حديث صحيح، رواه ابن حبان في صحيحه 2/69، والبيهقي في السنن الكبرى 3/140.