رعايـة الطفـل
الأستاذ أحمد فراج :
سيداتي وسادتي … عبدالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. في لقاء سابق بدأنا نتكلم عن اهتمام الإسلام بالطفل المسلم، والحقيقة هذا الاهتمام الذي لمسنا بعض جوانب منه في الحلقة السابقة هو ليس مجرد اهتمام بالطفل فحسب هو اهتمام بالحاضر والمستقبل لأن الطفل هو غد الأمة، وفي هذا الإطار تكلمنا عن حرص الإسلام على التنشئة الطبية التي تكفل للطفل المناخ الطيب الذي يتربى فيه وينشأ فيه نشأة صالحة، وقلنا أنه يبتدي من قبل الزواج تخيروا لنطفكم وقلنا اختار ذات الدين.
هناك مواصفات معينة نقدر نقول أنها تشكل الأسرة أو الحاضنة أو الحمل الذي يولد فيه الطفل في جو من القيم أو منظومة دينية تربوية تضمن لهذا الطفل القادم بجانب العناية به كجنين وهو في بطن أمه.
يسعدنا أيها السادة أن نستضيف لهذه الحلقة أ.د. آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، وفضيلة أ.د. عبدالله سمك الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة القاهرة وأ.د. جمال أبو السعود أستاذ التوليد وأمراض النساء بكلية طب جامعة الأزهر، ومدير المركز الدولي الإسلامي للدراسات والبحوث السكانية، الذي سعدنا بالوثيقة التي صدرت عنه بالتعاون مع اليونسيف وحول موضوع الطفل وشوفنا في بعض الجوانب أن العالم يتقدم للأمام فيقترب مما أمره الإسلام وما وضعه الإسلام من 15 قرن وخصوصًا في معرض حديثنا عن الرضاعة الطبيعية التي يتجه إليها العالم وقلنا الإسلام سبق هذا في القرآن حينما قال الله تعالى [ والوادلات يرضعن أولادهن ] بين يدي هذا الموضوع، أرجو أن يتفضل أ.د. عبدالله سمك فيعطينا لمحة عن حقوق الطفل في الإسلام بوجه عام.
أ.د. عبدالله سمك :
الحمد لله وصلة وسلامًا على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما نتحدث عن الأطفال، فنحن نتحدث عن فلاذات الأكباد وثمرات القلوب ومستقبل أمة، والأطفال في الإسلام أعطاهم الإسلام حقوقًا عديدة، فلهم حق الولادة في حسن الاختيار، ويحضني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جاءه رجل بابنه يشكون فأخذ عمر يعظ هذا الولد، فقال الابن : يا أمير المؤمنين أليس للأبناء حقوق كما أن للآباء حقوقًا، قال عمر : بلى يا بني قال : ما حق الأبناء، قال عمر : أن يختار له أمًا صالحة وأن يختار له اسمًا حسنًا وأنه يعلمه شيئًا من كتاب الله، فقال والله يا أمير المؤمنين ما صنع بي أبي واحد من ذلك أمي أمة جارية اشتراها أبي بأربعمائة درهم وأما اسمي فقد أسماني جُعلاً ـ أي خنفسة ـ ولم يعلمني شيئًا من كتاب الله، فالتفت عمر للرجل وقال له ، لقد أعقت ولدك قبل أن يعقك، هذا المعنى لخصه النبي صلى الله عليه وسلم في كلمة : ” رحم الله والدًا أعان ولده على بره ” فحسن الاختيار هذا أمر مطلوب والحديث طويل، كذلك ما يتعلق بالترغيب في طلب الولد، طلب الولد فوائد كثيرة، محبة عند الله ومحبة عن رسول الله، بل انتفاع من هذا الولد سواء عاش أم مات والولد في اللغة يطلق على الذكر والأنثى، محبة الله لأن الولد آية من آيات الله، والطفولة ذكرت في القرآن أربع مرات، مرتان تتعلق بأمر القدرة الإلهية والآيتان الأخيرتان في سورة النور عن آداب الاستئذان، هذا يبين لنا أن طلب الولد فيه محبة، وفيه بيان لقدرة الله تبارك وتعالى، محبة لرسول الله ” تزوجوا الولود الودود فإني مباهي بكم الأمم يوم القيامة “.
وجاء رجل لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” هناك امرأة ذات مذهب وذات حسب وذات جمال وذات ثروة إلا أنها لا تلد، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وذكر هذا الحديث ” تزوجوا الولود الودود … “.
طلب الولد نفع للأب ونفع للأم وللأمه، كذل أن النبي صلى الله عليه ولم أمرنا بحسن استقبال الأولاد ذكروًا كانوا أو إناثًا ولعل الآية الكريمة التي جاءت في سورة الشورى [يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور] وهناك نجد أن القرآن ذكر الإناث نكرة وقدمها وذكر الذكور معرفة وآخرها فيفسر ذلك علماءنا فيقولون ” جبر نقص الإناث فقدمهم بالتنكير، وجبر نقص تأخير الذكور فجبر خاطره بالتعريف، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحمل إماق بنت زينب على عنقه ويصلي بها، حتى ينسف أعمال الجاهلية في تصخط استقبال البنات، وكان ذلك في صلاة مفروضة أي كان إمامًا للمسلمين.
الأستاذ أحمد فراج :
هناك نقطة مهمة وما يمكن أن نلخصه في كلمة واحدة حق وواجب الطفل في بناء شخصيته.
أ.د. آمنة :
بسم الله الرحمن الرحيم .. الحقيقة الإسلام حث على تكريم الطفل وهو فرع من كل أي تكريم الإنسان ككل، ويجب على الوالدين أن يعاملوا أولادهم بالاحترام، لا نستخف بالطفل، ويجب أن نثني على الأعمال الحسنة، لأن هذا يعطي نوعًا من التقدم، كذلك لابد أن تكون تربية الوالدين للأبناء متوازنة بعيدة عن الخشونة وفي نفس الوقت بعيدة عن التدليل والإمام الغزالي كان يحذر من تدليل الأبناء الذكور وينفر من لبس الذكر للذهب، ويقول أن هذا يشوه شخصية الولد في رجولته ومظهره المتزن، كذلك أيضًا يؤكد على إكرام البنت في تربيتها وإحساسها بأنها إنسانة عزيزة على والديها، كل هذه المعاني النفسية والأخلاقية يؤكد عليها فقهانا العظام، وعندما يؤكد صلى الله عليه وسلم على شيء رائع عندما يطلب من الآباء تأمين الأبناء بقدر المستطاع، فيجب ألا نترك أولادنا عالة على المجتمع، يحذر النبي صلى الله عليه وسلم تحذيرًا واضح المعالم ” كفاك إثمًا تضيع من تعول “. ثم بعد ذلك وقبل هذا كيف يكون الأبوين قدوة لهؤلاء الأولاد في أداء العبادات في لغتهم في البيت،و البعد عن كل ما يؤذي الأبناء، كل هذه المعاني تصب في الجانب الأخلاقي والنفسي ف أن يشب أولادنا في هذا الجو المتوازن، وكذلك التحذير من قرناء السوء والتحبيب في قرناء الخير.
الأستاذ أحمد فراج :
حضرتك أشرتي لاهتمام الإسلام بمسألة الميراث من قبل وهذا نوع من الرعاية والعناية بالمستوى الذي يصل إلى الفرد، وأكدنا أيضًا على موضوع الجوانب الصحية، وأشار أ.د. جمال أبو السرور على موضوع التطعيمات يكاد يكون لم يأخذ ثواني وأشرنا إلى أن لنا وقفة خصوصًا عندما يلتبس معه في نظر بعض الناس أن هذا فيه تدخل للإرادة الإلهية عند بعض العامة من الناس، نحب أن نقول لنا عن التطعيمات الواجبة وهل هي تقي من الأمراض، وهل هذا فيه اعتراض من إرادة الله كما يتصور البعض وفي نفس الوقت ما هي مجمل الجوانب التي تتعلق بالرعاية الصحية للطفل ؟
أ.د. جمال أبو السعود :
بالنسبة للتطعيمات هناك علاج يكون للوقاية من المرض والتطعيم هو وقاية من الأمراض، فإذا نظرنا لذلك فهذا واجب والشريعة الإسلامية حثت على الوقاية من الأمراض والجزء الوقائي من العلاج هو مهم جدًا وهذا ليس تدخل في إرادة الله سبحانه وتعالى بالعكس فالله سبحانه وتعالى هو الذي أعطى لنا قدرة على اكتشاف المرض، ونحن لا نستطيع اطلاقًا التدخل في قدرة الله سبحانه وتعالى، بل إن هذا جزء من قدر الله، ولهذا فإن ما يقال عن التدخل في قدرة الله هذا غير صحيح على الإطلاق، وما يستخدمه الغرب من تكنولوجيا طبية فهذا أيضًا غير وارد في التدخل في قدرة الله.
الأستاذ أحمد فراج :
نعم فكما أخذنا منهم التكنولوجيا أخذوا منا الرضاعة الطبيعية.
أ.د. آمنة :
أريد بعد إذن الأستاذ الكريم أن أقول في موضوع الأخذ من بعضنا البعض أن الحضارة وتواصلها وتواصل العلم بين الحضارات والشعوب وكان لنا حضارة عالمية في الأندلس وهي التي بنيت عليها حضارة أوروبا في القرون الوسطى فإنما هي سنة الحياة وتوارد التاريخ فعندما نعطيهم أو نأخذ منهم فإنما هي سنة الحياة والحضارات البشرية بعضها لبعض.
أ.د. جمال :
خصوصًا عندما لا يكون بيننا حواجز فالعلم لا وطن لنا.
الأستاذ أحمد فراج :
جزء مهم جدًا من عملية الرعاية د. جمال يدخل في تفاصيل تبدو غير عبقرية مجرد بدائيات للرعاية.
د. جمال :
نعلم كالنظافة فكلما كان الطفل نظيفًا فهذا نوع من أنواع الرعاية وكذلك المحافظة على نظافة الأطعمة والبنية المحيطة بالطفل، وكذلك تزاحم الأطفال في الغرفة المغلقة فإذا كان أحدهم مصاب فيؤذي الآخرين.
الأستاذ أحمد فراج :
لكن هناك من يقول بأن يأخذ الطفل العدوى حتى لا يصاب بها مرة ثانية كالحصبة مثلاً.
د. جمال :
نعم هذا يحدث فإذا أصيب الطفل بمرض فهذا يكون عنده أجسام مضادة لهذا المرض لكن لا نستطيع الاعتماد على هذا كنوع من أنواع الوقاية.
الأستاذ أحمد فراج :
أريد أن أقف عند غسل اليدين، فهناك عادة تربية الأظارف يقابلها سنة تهذيب الأظافر، فإذا كانت الأم ممن يربون أظافرهن فممكن أن تنتقل العدوى للطفل، فهذه سنن الفطرة، وكذلك باقي أنواع النظافة، كنظافة الوجه والعينين والأسنان حسنًا هل مفيد مباعدة الولادات للطفل.
د. جمال :
نعم هذا مفيد لمصلحة الطفل والأم، فالفترات المتباعدة تعمل على استرجاع صحة الأم فيما قد فقدته في أثناء الحمل والولادة والرضاعة حتى عندما يحدث حمل مرة أخرى تكون في صحة جيدة وتستطيع أن تتغلب على ما قد يواجهها في الحمل الثاني.
الأستاذ أحمد فراج :
هل هناك فترة زمنية مقترحة.
د. جمال :
تقريبًا أربع سنوات بين كل ولادة على الأقل، أما بالنسبة للطفل فهذا لا يعطيه حق التغذية والاهتمام والحنان، فهي ستنشغل بالحمل الجديد.
الأستاذ أحمد فراج :
قضية التلوث هل هي واردة معنا ؟
د. جمال :
نعم ونحن وضعنا كتاب في ذلك وترجم لعدة لغات مختلفة حتى يكون مرجع للجميع، وهو يصلح للمسلمين وغير المسلمين.
الأستاذ أحمد فراج :
أريد أن أتحدث عن نقطة مهمة جدًا يمكن أن تشكل كل هذا فضيلة الدكتور عبدالله سمك فيما بقى من وقت فيما يسمى بالضرورات الخمس والمحافظة على حفظ النفس والدين والعقل، وكل هذا معروف في فقه المقاصد، فحينما نتحدث عن حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال ألا تجمع هذه الضرورات أو الحقوق الخميس كل ما يتعلق بالصغير والكبير.
د. عبدالله سمك :
لعل هذا الاهتمام بهذه الضروريات لحفظ الدين والدنيا وحفظ الآخرة كذلك، فقط أهل العلم إلإخلال بواحدة منها إخلال بالدين والدنيا والآخرة أي لا يمكن أن نتصور أن هذه القواعد وقد استبعدة قاعدة منهم إلا وكانت مصالح العباد عرضة للانهيار واختلال الوجود، ولذلك حين نتحدث عن الطفل التربية الإيمانية التربية البنية والصحية، الاجتماعية الأخلاقية، وحين ذكرت الآيات سورة النور فهي تتحدث حتى عن العلاقة الخاصة بين الآباء والأبناء، [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ] ونجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم راعى هذه التربية حتى مع أول ما يقرع سمع الطفل أول شيء وهو الآذان ولنلاحظ يا أستاذ أحمد أن أول ما يدخل أذن الطفل هو الله أكبر وآخر ما يقول الطفل الله، ” لقنوا موتاكم لا إله إلا الله “.
فحياته ومماته تبدأ وتنتهي ” بالله “، وكذلك التربية العقلية، فكل حق من هذا له إيجاد وله حفظ، أي وسائل إيجاد ووسائل حفظ، والتربية المنزلية يجب أن ترى أن هناك ذكر وأنثى في البيت ، ويجب المساعدة بينهما، واليوم لا يساعد أحد الأم ذكرًا كان أو أنثى والحجة هي التعليم، فهل التعليم حائل بين المساعدة في البيت، فأنا أرى أن التربية المنزلية حق وواجب علينا أن نغرسه في الأطفال.
الأستاذ أحمد فراج :
الأمور لا تزال في حاجة لمزيد من البحث، لكن يبدو أننا سوف نقدم لحضراتكم خالص الشكر، انتظارًا لمرة قادمة نكمل فيها ما تبقى في هذا المبحث الجميل.
شكرًا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.