حلقة
نور على نور
والتي أذيعت في الساعة 2.00 من مساء يوم الجمعة الموافق 31 يوليو 1970 م
الأستاذ / أحمد فراج :
سيداتي وسادتي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، منذ فترة طويلة والبرنامج لم يخصص حلقات للأسئلة المفتوحة، والموضوعات التي يتفضل السادة المشاهدين بإرسالها في البرنامج، ويسعدنا في هذه الحلقة أن نخصص حلقة من الحلقات لهذا الغرض، ويسُر البرنامج أن يستضيف فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي، ونحاول من خلال هذا اللقاء مع فضيلته أن نجيب على بعض الرسائل، وفي نفس الوقت نخصص الجزء الباقي من الندوة لحضراتكم للسؤال في أي موضوع ترغبون السؤال فيه.
الرسالة الأولى التي يطرحها البرنامج، ويمكن نهتم بها بعض الشيء لأنها خاصة بشاب من الشباب وهو متجه اتجاه إسلامي طيب، وهي رسالة الأخ أحمد صديق محمد بمدرسة صلاح سالم الثانوية بحلوان، يقول فيها أنه انضم لإحدى الطرق الصوفية، ويؤدي الأوراد، وهو كاتب لنا بالضبط ما يقول، ثم شرح أقسام الطريق، إنه فيه قسمين، القسم الأول أوراده كذا، والقسم الثاني أوراده كذا، ويقرأ الفواتح لحوالي ثمانية أو تسعة من الصالحين، وهو يسأل عن الحضرة وهو يقول : هل الطريق الذي وصفه وذكر صورته يوصل إلى الله، وحتى تكونوا معنا [ كُليةً ] سأذكر لكم بعض ما يفعله، فمثلاً هناك جلسه رقدة، هذه الجلسة يجلس فيها الإنسان يوميًا وهو مغلق العينين في مكان مظلم ويقول الاستفتاح ثم يقرأ الفواتح للشيوخ التسعة، ثم بعد ذلك يدعي في شرف المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم يقول بسم الله الرحمن الرحيم مثلاً عدد من المرات واللهم اغفر لي عدد من المرات، إلى آخره، وهو يسأل هل هذا الطريق موصل إلى الله ؟
طبعًا نحن نرى نوعين من الشباب، نوع يكون بعيد عن الالتزام بالإسلام وبالعادات وبالسلوك، وبالواجبات الإسلامية، ونرى نوعًا آخر ملتزم، وأحيانًا يكون الإنسان يواجه النوعين وهو الإسراف والتفريط، وأنا لا أريد أن أقول أن هذا نوع من الإفراط، ولكن أريد أن أقول أن هذه هي الظاهرة العامة الني نلحظها في الشباب، إما شباب مُفَّرِط أو شباب مُفرط في الالتزام الديني، وهذا الموضوع نرجو أن نسمع فيه كلمة من فضيلة الدكتور الشرباصي.
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
بسم الله الرحمن الرحيم، الواقع إن هذا الشاب يستحق أن نُحيه لاتجاهه الديني سواء أكان هذا الاتجاه سليمًا من كل ناحية، أو كان يحتاج إلى شيء من المراجعة والصراعة في النقد، التصوف الإسلامي كما يفهمه البصراء والحكماء من الصوفية المؤمنين هو محاولة تحقيق درجة الإحسان التي وصفها سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال ” الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك “، والواقع كما ذكر الأستاذ أحمد فراج نلاحظ على الشاب هذا الإفراط في الاتجاه الديني مع أن الأجدر والأولى بمثل هذا الشاب المُسلم الطيب أن يبدأ أولاً بالأصول، ثم ينتقل منها إلى الفروع، ثم ينتقل من الفروع إلى الكماليات، والتهذيبيات الأخيرة، بمعنى أنني أعتقد أنه أولى بهذا الشاب أن يدرس أولاً أصول الإسلام وقواعده وأركانه، ثم يحاول أن يؤدي ما فرضه الله عليه من صلاة وصيام وزكاة وحج إن قدر على ذلك، ثم يلتزم بفرائض الأخلاق، والفضائل الموجودة في الإسلام، ثم يعكف على كتاب الله تبارك وتعالى يحاول أن يرتله، وأن يحفظ منه ما يستطيع، وأن يفهم منه قدر ما يستطيع، ثم يعكف بعد ذلك على سُنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، لتُنير الطريق أمامه في تفهم القرآن وإدراك معانيه، ثم إذا استكمل فهم الأصول والمبادئ والقواعد، ثم أدى ما عليه من فروض وواجبات، ثم تحلى بما يجب أن يتحلى به من فضائل، ثم يجتنب ما يلزم أن يتجنبه من رذائل، فإنه في هذه الحالة يستطيع بعد ذلك أن يبدأ في تهذيب نفسه ومحاسبتها ومراقبتها أمام الله حتى يحاول أن يقترب من درجة الإحسان التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم، أما دخوله في هذه الشكليات وفي هذه الأمور التي قد ينغلق عليه فهم الوجه الصحيح لحكمتها أحيانًا، وقد يعجز عن أداءها على وجهها المضبوط أحيانًا، وقد تنسيه بعض الفروض والواجبات أحيانًا، وقد تشغله عن واجب له من ناحية تكوين شخصيته وتخريج نفسه كمواطن مسلم، مؤمن، صالح، فاضل في مجتمع كريم، هذه العناية المبدئية للشكليات قد تشغله عن أمور أساسية في فهم الدين، ولذلك يستحسن للشاب المسلم أن يبدأ أولاً بما ذكرته، ثم لا مانع بعد هذا، بعد أن يثبت في طريقه واستقامته على سبيل ربه أن يأخذ من التصوف الإسلامي السليم بقدر ما يزين شخصيته المسلمة المؤمنة.
الأستاذ أحمد فراج :
هل نستطيع نستأنس للمعاني التي ذكرتها سيادتك ” إن هذا الدين متين ؟ “.
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول ” إن هذا الدين متين أوغل فيه برفق، ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه”، فالدين يُسر وليس بعُسر، فإذا بدأ الشاب كما سمعنا في قراءة خواتم، وعدد من البسملة وعدد من الأدعية، وألزم نفسه بجلسات خاصة في مكان مُظلم إلى أخره، ربما لا يقوى على هذا لمدة طويلة، ولقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا عبدالله بن عمر ” يا عبدالله إن لكل عالم شِره ” أي له في أول أمره نشاط، فمن كانت شرته إلى سُنةِ فسبيله مأمونة، ومن كانت شرته إلى بدعة فسبيله غير مأمونة، والرسول عليه الصلاة والسلام بهذا يريد أن يعلمنا أننا لا نُسرف في العمل بصورة تجعلنا نعمل مجهدين ونشطين في بعض الأحيان، ثم نكسل ونفرّط في أحيان أخرى، وخير الأمور أوسطها كما جاء في الأثر الشريف.
الأستاذ أحمد فراج :
هناك رسالة من السيد حامد محمد أستاذ اللغة الإنجليزية، كان يعلق على موضوع سبق أن تحدثنا عنه في إحدى الحلقات، وهو موضوع الجهاد، ويقول إنه لو يسر له سبيل الإعارة إلى إحدى الدول العربية فإنه مستعد أن يتبرع بـ 10% من المرتب الذي يتقاضاه هناك، كنوع من الجهاد، أو بذل المال في سبيل الله، والحقيقة أن البرنامج يستأذن في تعقيب بسيط، نحن حينما تكلمنا عن الجهاد، والتبرع، والبذل في كل صورة من الصور، لم يكن المقصود من ذلك أن يصل الأمر إلى درجة أن يكون هذا هو السبيل إلى بذل المال، بمعنى إن لم أستطيع فأبحث عن عمل كي أستطيع منه أن أبذل جزء من المال، طبعًا لا نستطيع أن نشترط أن التبرع وظيفة أو عمل، أو شخص يقول أنني إذا وصلت إلى درجة كذا أتبرع، وإذا لم أصل فلا أتبرع، في نفس الوقت أنا أرى أن السيد حامد محمد كمدرس للأجيال الصاعدة من أبناءنا، عنده فرصة جهاد كبيرة جدًا لأنه يتصل بأبناءنا، وليت كل أستاذ في مدرسة ابتدائي، أو إعدادي أو ثانوي يؤدي الواجب الذي عليه في تربية أنفس الشباب، وفي بث حسن أداء الواجب الذي عليه، وبعد ذلك لو استطاع من خلال الفرص التي تتاح إليه مع النفوس الغضة أن يوجه إلى قيم خيّره، أن يوجه إلى معاني سامية، فهذا نوع لا ينبغي أن نستهين به من الجهاد، هذه كلمة أحببت أن أقولها للأستاذ حامد، ونحن نثق أنه على فرصة، وفي مكان يجاهد فيه فعلاً من خلال عمله كمدرس، وخاصة المدرسين والمعلمين فهم يؤدون وظيفة ورسالة من أكرم الرسالات التي يعتز بها أي إنسان.
هناك رسالة من حمادة الطرابلسي يقول فيها : إن المطبوعات التي يعمل بها في مكتبة أو في الجهة التي يعمل فيها، يكتب عليها باستمرار بسم الله الرحمن الرحيم، وهذه نقطة تتكرر كثيرًا في حياة بعض الناس، ثم قال بعض الناس لا يصح أن ترمي شيئًا مكتوب عليه اسم الله، “حرام عليك”، “احرقها”، “مزقها “، والواضح أن بعض الناس هاجموه في هذا الموضوع فقال إذا كان الأمر كذلك فليس هناك داع لطبع بسم الله الرحمن الرحيم، ثم شعر كأن في هذا نوع من إنه لن يكتب بسم الله، فنرجو أن نسمع رأي الدكتور الشرباصي في هذا الموضوع.
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
الوقع إن هذا السؤال له أهميته، وهو يذكرنا بقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كل أمرٍ ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر أي ناقص وغير كافي ” والواقع إن وضع كلمة بسم الله الرحمن الرحيم في أوائل الرسائل أو في أوائل الكتب أو في أوائل الأوراق سُنةً حميدة، والدولة نفسها اتجهت إليها منذ بداية الثورة، ونرجو أن تحرص عليها، وأن تستديم هذه العادة، والأصل في هذه الأوراق التي يُكتب في أولها بسم الله الرحمن الرحيم، أن يكتب فيها معلومات من شأنها أن تحفظ وأن تصان، فإذا كانت هذه الأوراق كالرسائل أو السجلات أو التحقيقات أو ما أشبه ذلك، فمضمون أنها ستبقى وتحفظ وتصان، إذا كان الإنسان يستعمل أوراق لغرض عارض وسريع لا يبقى، [ ومن شأنه إن الورق يتخلص منه ]، كبعض الأوراق التي نعمل بها مسودات مقالات، أو تجارب معلومات، أو ما أشبه ذلك، لعله لا يكون من المحتوى أن نكتب فيه أولا بسم الله الرحمن الرحيم، لأننا نعلم من أول الأمر أننا لن نحتفظ بهذه الورقة، وإنما ستلقى في سلة المهملات، ولا يجوز إطلاقًا أن نعرض صحف القرآن الكريم أو صحف السنة، أو ورقًا فيه أسماء الله الحسنى أو فيه بسم الله الرحمن الرحيم، لموقف الامتهان أو الابتذال كالوضع في القمامة، أو الرمي على الأرض، حيث تطأ الأقدام الورق إلى آخره، إذا كان هناك نوع من هذا الورق وفيه بسم الله الرحمن الرحيم ويحتاج السائل الكريم أن يتخلص منه، فإما أن يحفظه في مكان لا تصل إليه يد الابتذاء أو المهانة، وإما أن ينزع الجزء المكتوب عليه بسم الله الرحمن الرحيم ويحرقه أو يحتفظ به في مكان، أما إلقاء هذه الأوراق وفيها أسماء الله الحسنى في مكان إهانة أو ابتذال فذلك لا يليق، وقد قال كثير من العلماء بحرمته لما فيه من استهتار واستهانة لأسماء الله الحسنى.
الأستاذ أحمد فراج :
هناك أحد الأخوة يسأل ويقول هل هناك عقاب على شخص سليم يترك صلاة الجمعة ويصليها ظهرًا ؟
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
في الواقع هذا سؤال غريب، ولقد أجمع فقهاء المسلمين على أن صلاة الجمعة فرض واجب، لا يجوز لإنسان أن يتركه، وهو قادر عليه مكلف به، فصلاة الجمعة فرض واجب على كل مكلف، وإذا كان الفقهاء قد استثنوا من صلاة الجمعة بعض الأشخاص كالمريض، أو المسافر، أو المرأة أو العبد إن وجد فإن هؤلاء لهم أعذارهم، أما إذا كان الشخص مكلفًا بالصلاة، فيجب عليه أن يحضر صلاة الجمعة، ولا يغني عنها كما جاء في قوله الغريب ” أن يصلي الظهر بدلاً منها “، لأن صلاة الجمعة مشروعة مكان صلاة الظهر، فلو غير الوضع، وصلينا الظهر، وأهملنا صلاة الجمعة، لكان هذا تشريعًا يعارض تشريع الله عز وجل.
الأستاذ / أحمد فراج :
هناك مشكلة من الأخ ن. ح الجوهوي، هي مشكلة شخص، كما تكرر في البرنامج أكثر من مرة، متزوج من حوالي عشرون عامًا، وعنده إحدى عشرة من الأولاد، ثم حدث خلاف بينه وبين زوجته في مرات عديدة، وطلق مرتين، ثم في المرة الثالثة تشاجروا معًا فطلبت منه الطلاق، فقال لها ” هذا هو الطلاق الأخير ” فقالت له ” طلقني ” وهو يقول في خطابه ” ولقد قلت لها وأنا في ثورة غضب شديدة، ونتيجة إلحاحها أمام أهلي، وعلى مسمع منهم، وكان الوقت كذا إلى أخره .. أنت طالق بالثلاثة، لا تحلي لي بمهر جديد، ولا بعقد جديد “، وأنا بكامل قوايا العقلية، هو يبدو أنه بيؤكد أنه في كامل قواه العقلية، فقال وأشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ثم مر على هذا عامين وأنا وأولادي في أيام العذاب، وقد أوشكت الأسرة على التفكك “، فنحب أن نسمع تعقيب الدكتور الشرباصي على هذا الموضوع.
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
الواقع أن كثيرًا من المسلمين يسيئيون كل الإساءة، استغلال حكم الطلاق الذي شرعه الله سبحانه وتعالى ليكون آخر العلاج، في الخلاف داخل الأسرة، فإذا لم تستطع أن تبقى بعد استنفاذ كل المحاولات ووسائل التفاهم، فإن الطلاق يعتبر نافذة للخلاص من الحياة الزوجية كما قال القرآن الكريم ] فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [ الظاهر من السؤال أن الزوج هو الذي عاون على هدم أسرته بلسانه وبتصرفه طلق مرة، وطلق مرة ثانية، وها هون يطلق للمرة الثالثة، ومن العجيب أن يقول بعد هذا إن الأسرة معرضة للتفكك والضياع، مع أن الأسرة تعرضت لهذا التفكك، وهذا الضياع منذ سنوات، منذ سمح الزوج لنفسه أن يستهين بكلمة الطلاق، فينطق بها، دون أن يعرف ما تترتب عليه هذه الكلمة، ونحن لا نعرف ظروف الطلقة الأولى والطلقة الثانية، ولكن إذا كانتا الطلقة الأولى والثانية قد وقعتا بالفعل ثم حلف للمرة الثالثة، فإن زوجته بهذه الطلقة الثالثة تبين منه بينونة كبرى، أي تنفصل عنه انفصالاً نهائيًا، لا يصح أن تعود إليه كزوجة إلا إذا انتهت عدتها من مطلقها، ثم تزوجت زوجًا بأخر اختيارها زواجًا صحيحًا، ودخل بها دخولاً صحيحًا، وعاشرها معاشرة زوجية صحيحة، ثم طلقها باختياره، أو مات عنها، ثم انقضت عدتها من هذا الزوج الثاني، ثم اختارت أو أرادت أن تعود إلى زوجها الأول، ففي هذه الحالة يمكن أن تعود إلى الزوج الأول بعقد ومهر جديدين كما قال الفقهاء، الواقع أن الحالة التي انتهت إليها الأسرة حالة مؤسفة، ولكن الزوج هو المسئول عن هذا، بقى نقطة أنه طلاق غضبان، نحن نسمع تناقض في كلامه، هو يقول إنه كان شديد الغضب، وكان تحت إلحاح الزوجة، والإلحاح لا علاقة له بالطلاق، لأنه يستطيع أن يعقد لسانه عن أن يقول كلمة الطلاق، وإذا كان الغضب قد وصل بهذا الزوج إلى درجة لا يفهم ولا يعقل ما نطق به، بحيث لو هدأ وذكروه بأنه حلف بالطلاق، ويقول “أنا لا أذكر إني نطقت بهذه الكلمة، ففي هذه الحالة لا يقع الطلاق لأنه كما ذكرت السيدة عائشة وروت ” لا طلاق في إغلاق ” أي إذا استبد الغضب بالإنسان وسيطر عليه، فأخرجه عن وعيه كاملاً، أما إذا كان الغضب شديدًا أو متوسطًا أو ضعيفًا كالمعهود فيما نعرف، فليس هناك حالة طلاق تكون في وقت ابتسام وضحك، إنها تكون دائمًا في حالة تهور، وحالة غضب، فالتعلل بالغضب هنا لا يُجدي، ولا يفيد.
الأستاذ أحمد فراج :
هناك سؤال من الأخ ن.م.أ من بولاق، يسأل ويقول ” نحن نعرف حكم الزنا وتشدد الإسلام فيه، لدرجة أن سيدنا عمر بن الخطاب قتل ابنه لأنه ارتكب هذه الفعلة، الحقيقة إن هذا الكلام استوقفنا لأني وجدت بعض الكتب وبعض الناس يشيع بينهم أن سيدنا عمر أمر يجلد ابنه في حد الزنا حتى مات وهو يقام عليه الحد، فأمر بإتمام الحد وللأسف، بعضنا يأخذ هذا المثال دلالة على عدل عمر من أنه يقيم حد على ابنه، ويستمر في أداء الحد حتى بعد وفاته، وهذه نقطة ننتهز الفرصة، ونرجو من فضيلة الدكتور الشرباصي أن يحقق لنا هذه الحادثة ويوضح لنا ما هو الصواب والدقة فيها.
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
الواقع أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أكثر الخلفاء الراشدين تفصيلاً في أخباره وحياته، فحياة عمر واضحة كل الوضوح، وتفاصيلها ظاهرة كل الظهور، لكن المخرفين أو المحرفين أبوا إلا أن يضيفوا إلى سيدنا عمر ما لم يقع منه أو ما لم يحدث له، وهذا السؤال يذكرني بفرية أخرى ينسبونها إلى سيدنا عمر، وهو أنه في ذات يوم من الأيام ابتسم ثم قال ” أنه قد وأد ابنته وهو في الجاهلية، وأن ابنته وهو يدفنها كانت تنحي ا لتراب إكرامًا لأبيها وهو يدفنها حية ” هذه القصة قد حقق المؤرخون أنها غير صحيحة وغير ثابتة، هذه القصة أيضًا لها شقيقة ولها أخت، وهي القصة التي نسمعها الآن، فلم يثبت في تاريخ عمر ولا في تاريخ ابن من أبناء عمر أنه قد حدثت واقعة زنا كما جاء بالسؤال ولا أن عمر قد حاد ابنه في حد الزنا، في الواقع الذي في التاريخ أن ” عبدالرحمن بن عمر بن الخطاب كان مع صديق له اسمه أبو سروعة عتبة بن حارث، وكان في مصر هنا في ولاية عمرو بن العاص، فشرب عبدالرحمن بن عمر مع أبي سروعة شرابًا ظناه حلالاً وأنه غير مسكر،ولكنهما سكرا منه لأنه كان من نوع النبيذ، فلما أحسا بأنهما قد سكرا، وهما مسلمان، وهما حريصان على دينهما، سارعا إلى الوالي، إلى عمرو بن العاص يطلبان منه باختيارهما، ومن أنفسهما أن يقيما عليهما حد شرب الخمر، لأنهما ارتكبا هذه الكبيرة، وإن كان هذا بحسن نيه، أو بعدم دراية، فتردد عمرو بن العاص في إقامة الحد انتظارًا للمراجعة أو للتثبيت فقال عبدالرحمن بن عمر لعمرو الوالي ” إن لم تقم عليَّ الحد فإني سأخبر أبي عمر بأنك ضعيف جدًا “، فأقام عمرو بن العاص الحد على عبدالرحمن بن عمر كما تقول الرواية التاريخية وسنعرف قيمتها الآن، ثم استثنى عبدالرحمن من عمل كان ينبغي أن يقوم به أو يعمله له أمام الناس، وهو أنهم كانوا إذا جلدوا شارب الخمر حلقوا له رأسه، وذلك تشهيرًا به حتى لا يعود إلى شرب الخمر، فلم يحلق عمرو بن العاص لعبد الرحمن بن عمر رأسه، بل ترك ذلك لأخيه عبدالله بن عمر، فحلق له رأسه داخل البيت، وبلغت القصة مسامع عمر بن الخطاب، فخشي أن يُفسر ذلك تفسيرًا سيئًا وأن يقال : أن ابن الخليفة قد كسب شيئًا من المحسوبية في مجتمع لا يعرف الامتيازات ولا المحسوبية ولا المفاضلة بين إنسان وإنسان، فأرسل عمر كما تقول الرواية التاريخية خطابًا شديد اللهجة لعمرو بن العاص، وأمره أن يُرسل إليه عبدالرحمن بن عمر، ولما وصل عبدالرحمن بن عمر إلى أبيه، جلده مرة أخرى، وقال العلماء إن هذا الجلد لم يكن حدًا لأن الحد لا يتكرر، وإنما ضربه تأديبًا وتهذيبًا حتى يكون المنهج على طريقة الكلمة المأثورة حسنات الأبرار، سيئات المقربين، الناس أخذوا هذه القصة وزادوا عليها وأضافوا إليها فجعلوا الجريمة هنا، جريمة زنا، وعبدالرحمن إنما شرب شرابًا ظن أنه غير مسكر، فليس هناك زنا، ثانيًا أنهم أضافوا إلى ذلك أن عمر وهو يضرب ابنه عبدالرحمن مات ابنه بين يديه،و كان الحد لم يصل إلى ثمانين جلدة، فأتم عمر جلد ابنه وهو ميت، ولا يتصور عاقل في الدنيا أن رجلاً كعمر بن الخطاب في فقهه للرسالة يضرب ميتًا وهو جثة هامدة، ولذلك أحب للسائل أن يرجع إلى كتاب عبقرية عمر للأستاذ المرحوم عباس محمود العقاد، فقد توسع في نقض هذه القصة، والتعليق عليها، وتفنيد ما أضيف إليها، وكذلك إذا رجع السائل إلى كتاب سيرة عمر بن الخطاب، للإمام المحدث الحاضر بن الجوزي، فإنه سيقول إن هذه القصة قد دخلها كثيرٌ من افتراءات الرواة، وقد أورد جميع طرقها المفتراه في كتابه المسمى كتاب الموضوعات، وكتاب الموضوعات، معناه الكتاب الذي يتحدث فيه المؤلف عن الأحاديث الموضوعة كذبًا وزورًا، ونُسبت إلى أصحابها على غير أساس.
نخرج من هذا بأن القصة ليس فيها زنا، وأن الرواية التاريخية إن صحت لا تزيد عن أن عبدالرحمن شرب شيئًا ظنه غير مسكر فأسكره، فطلب إقامة الحد عليه بنفسه، وباختياره، ثم أراد أبوه أن يزيده تأديبًا وتهذيبًا حتى يكون أولاد الخليفة أول من يأتمروا بأوامر الدين، ويلتزموا فضائل الأخلاق، ولو أننا أخذنا بما ذكره المفسرون، وهو أن عمر ضرب ابنه وهو ميت، لما كان هناك من تسمية تصح أن تطلق على هذا العمل إلا أن نقول ” إن هذا رياء عدل” محاولة لرياء العدل وحاش لعمر بن الخطاب أن يكون روائيًا في إقامة العدل بين الناس.
الأستاذ أحمد فراج :
هناك رسالة بتوقيع المعذبة ن.م تقول إنها ارتبكت في حق الله ذنب حيث أسقطت جنين عمره شهرين، وتقول إنها لم تكن تستطيع أن تتحمل الولادة مرة أخرى، والظاهر أنه كان هناك تجربة سابقة، وتألمت منها تألمًا شديدًا، ولذلك ارتكبت ما أخشاه، وندمت ندمًا كبيرًا على ما اقترفت من ذنب، وأعيش بذلك الندم، وأبكي لكي يرحمني الله، ويغفر ذنبي، والموضوع مطروح على فضيلة الدكتور الشرباصي ليحدثنا فيه.
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
الواقع أن نظرة الإسلام إلى الإجهاض هي نظرة الكراهية والتحريم بصفة عامة، لأنه ما دام قد حدث التلقيح في رحم المرأة، وأصبح هناك جنين، فهذه خلقة إلاهية، تأخذ طريقها إلى العالم الخارجية، فيجب أن تصان قدر الطاقة بالصيانة والحصانة والرعاية، ولذلك قال جمهور الفقهاء إلا عددًا قليلاً له ميزان أمام جمهور الفقهاء، إن الإجهاض حرام منذ حدث التلقيح، ومنذ كان هناك جنين، سواء أكان ذلك قبل نفخ الروح كما نسمع أن كان ذلك بعد نفخ الروح الذي يقع في الشهر الرابع من الحمل، لكن الفقهاء بجوار هذا قالوا ” إذا كانت هناك ضرورة تدعو إلى الإجهاض قبل نفخ الروح .. أي في الشهر الأول أو الثاني أو الثالث، فإن الضرورة تبيح المحذور، ويجوز الإجهاض، ولا أحب أن أضع هذا دون تقليد أو تمثيل وإلا أسيء استغلاله، ذكر الفقهاء مثالاً لذلك، فقالوا : إذا كانت المرأة تحمل على كتفها طفلاً يرضع، ثم حملت، ولما حملت انقطع لبنها، وأخبرها الطبيب الثقة، المؤمن، العادل، بأن انقطاع لبنها بسبب حملها، ولم تجد نفقة أو لبنًا يقوم مقام لبنها لإرضاع الابن الأول، ففي هذه الحالة يجوز الإجهاض قبل نفخ الروح، أما بعد نفخ الروح فقد قال الفقهاء جميعًا : ” بحرمة الإجهاض إلا في حالة واحدة أرجو ألا نتجاوزها بحال من الأحوال،وهي إذا أصبحت حياة الأم الحامل في خطر، سواء كان الحمل في الشهر الأول أو الشهر الثاني أو في الشهر التاسع، ثم تأكد لدينا عن طريق الأطباء العدول الثقات أن بقاء الحمل سيؤدي إلى هلاك الأم، ففي هذه الحالة يجوز شرعًا، وبعض الفقهاء يوجب أن تقوم بعملية إجهاض الزوجة، حتى نبقى على حياة الأم، ونضحي بحياة الجنين، لأن الأم كائن حي، متأكدين من حياته له حقوق، وله التزامات، وعليه واجبات، وله تبعات، فهو أولى، والأم التي ستجهض نفسها بسبب وفاتها لو حملت، يمكن أن تنجب بعد هذا مولودًا آخر، بقى بعد هذا في سؤال السائلة ما أشارت إليه، وأرجو أن يكون ذلك مطابقًا للواقع من أنها أسفت وندمت، واستغفرت ربها، فإنها إذا كانت قد فعلت هذا عن جهالة، فإن الاستغفار يكفيها، وإما إذا كانت قد فعلت هذا عامدة ثم ندمت واستغفرت ربها وتابت وعزمت ألا تعود إلى مثل هذا العمل بحال من الأحوال، فإن المأمول في رحمة الله عز وجل أن يعفو عنها، وأن يتوب عليها إنه غفور رحيم.
الأستاذ أحمد فراج :
هناك رسائل كثيرة لازالت أمامنا، ولكن سنتركها حتى نتيح لحضراتكم للأسئلة في أي موضوع.
س : هل يستفيد المتوفي سواء أكان الوالد أو الوالدة من الصلاة أو الولائم التي تعمل لأجله، أو تلاوة القرآن الكريم له ؟ وشكرًا.
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
الواقع أن النصوص الدينية تشير إلى أن هناك فرائض وأعمالاً دينية يمكن أن يقوم بها الإنسان عن أبيه المتوفي أو عن أمه المتوفاة، كما في الحج مثلاً، أو في أداء ما عليهما من زكاة إذا زاد، نقيس على هذا، فأن الإنسان إذا قرأ القرآن الكريم ثم وهب ثواب قراءته لأبيه أو لأمه المتوفيين، فإنه غير بعيدٍ من رحمة الله أن يقبل هذا و يثيب الوالدين، ما دام الابن يقرأ القرآن الكريم متطوعًا مكتسبًا ويهب ثواب قراءته لوالده أو لأمه كذلك إذا الإنسان بر مَنْ كان يبره أبوه، أو كانت تبره أمه، أو تصدق أو أنفق في جهة من جهات الخير، فغير بعيدٍ أن يخفف هذا العمل عن الأب أو الأم، بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أرشد الابن إلى أن يأتي طائفة من الأعمال يبر بها أباه المتوفي أو أمه المتوفاة، في الصلاة جمهور الفقهاء في الواقع يميل إلى أن الصلاة لا تؤدى عن الغير، لكن لو أن الابن أكثر من الدعاء أو الاستغفار للأب أو الأم، فإن هذا بغير شك سيكون له أثره بتوفيق الله وفضله في زيادة حسنات أو تخفيف من عذاب أو سيئات.
س : هناك أرملة معها مال، وتريد المتاجرة في هذا المال، واعتطهم لي كي أتاجر لها في هذا المال، فقلت لها ” سأعطيك خمسمائة جنيهًا كربح على هذا المال، فهل هذا حرامًا أم حلالاً ؟
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
إنك إذا أعطيتها خمسمائة جنيهًا بالتحديد، فيعد هذا حرامًا لأنك حددت النسبة التي ستأخذها السيدة في مقابل رأسمالها، فكأنك اقترضت منها هذا المال في مقابل أن تعطيها نسبة مئوية 5% أو 20% أو 50% لا تضر النسبة فكلها حرام لأن قليل الربا وكثيره حرام، ولكن ممكن أن تأخذ رأس المال منها، وتتاجر لها فيه، مقسمها معًا في شركة المضاربة هي تسهم بمالها، وأنت تسهم بتجارتك وخبرتك، ثم تتفقان معًا على نسبة معينة من الربح، بمعنى أن تأخذ أنت النصف وهي النصف، تأخذ أنت الثلث وهي الثلثين، تأخذ أنت الربع وهي الثلاثة أرباع، حسبما تتفقان في هذه الحالة تصبح المعاملة مشروعة ولا يوجد فيها أي ربا، ويشترط ألا تكون نسبة المكسب محددة، فإذا فرضنا أنك تتاجر في خمسمائة جنيهًا ونتج عن الخمسمائة جنيهًا مائتي جنيهًا مكسب، هذه المائتين جنيهًا هي التي تقسم بينك وبينها حسب الاتفاق، فأنت لن تعطيها نسبة مئوية على رأس المال، وإنما ستعطيها قدرًا من الكسب الذي تحقق من وراء الاتجار بالمال، الصورة الثانية حلال والأولى تعتبر حرام لأنها ربا، والخسارة إذا تحققت لا يتحملها التاجر إلا إذا خرج على الشروط التي اتفق معها عليها، بمعنى أن قالت له ” تاجر في فول، فذهب وتاجر في قمح، تاجر لي في محافظة الشرقية “، فذهب إلى محافظة أخرى، وتحققت خسارة، هذه الخسارة يتحملها التاجر، لكن إذا نفذ كل الشروط وحدثت خسارة لا دخل له فيها، في هذه الحالة لا يتحملها، إنما يتحملها صاحب رأس المال.
الأستاذ أحمد فراج :
هناك سؤال من أحد الأشخاص عن حكم شهادات الاستثمار، وصندوق التوفير، والحقيقة أننا أنهينا هذا الموضوع بحثًا، وقد تكلم فيه فضيلة المفتي، وتكلم فيه فضيلة الدكتور عبدالحليم محمود آخر مرة، وقال إن مجمع البحوث الإسلامية يبحث الموضوع، وقلنا إن هذا الكلام قيل من خمس سنوات، وبقى لنا خمس سنوات نقول نرجو أن مجمع البحوث الإسلامية يحل هذا الموضوع، فآخر كلام قاله الدكتور عبدالحليم قبل اجتماع مجمع البحوث الأخير أن الدراسات أوشكت على الانتهاء وأذكر أننا سألناه عن المدة اللازمة لهذا، فقال : إنه في خلال عام، وأوشك هذا العام أن ينتهي، ونرجو أن يكون المجمع أوشك فعلاً أن يقدم لنا دراسة تحل هذه المشكلة، وهذا نوع من تذكير المجمع، فنحن نذكر المجمع بهذا.
س : بمناسبة رسالة الشاب الذي دخل في الطرق الصوفية، أعتقد أن هذا مشكلة شباب كثيرين، وليس واحدًا فقط، وهي رد فعل للظروف التي تحيط بالشباب، فكل شاب يتجه إلى الدين، نجده يدخل في الطرق فورًا، ولم يدخل في الدين قليلاً .. قليلاً، ولذلك أنا أقترح على سيادتكم أن تخصصوا حلقة لمناقشة هذا الموضوع.
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
الواقع يا أخي الفاضل الأستاذ أحمد في تعليقه على السؤال قبل بدئي في الإجابة أشار إلى هذا، حضرتك قلت إن هذا نتيجة رد فعل، ورد الفعل يكون عنيف لأنه مضاد، ونحن ننصح أبنائنا الشباب بأن يتذكروا دائمًا وأبدًا عندما يستقيم طريقهم على سبيل الدين، أن الدين ليس إرهاقًا، وليس تعنتًا، وليس تزمتًا، والدين يُسر، الدين استقامة، الدين اعتدال، الدين اقتصاد، الدين توسط، أما أن يرهق الشاب في أول تدين نفسه بهذه الأعمال الكثيرة الكلامية والفعلية، والجلسات والحضرات، وربما يفّرط فيما هو أهم من هذا من فروض أو واجبات، فهذا ليس بتدين سليم، ننصح أبناءنا الشباب أنهم يلتفتوا إلى هذه الناحية، ولا مانع من العودة إلى هذا الموضوع في مناسبة قادمة إذا اتسع المجال.
الأستاذ أحمد فراج :
الحقيقة، نحن عندما حرصنا على هذا الموضوع ؟ حرصنا عليه أولاً لأنه يمثل جمهرة كبيرة، وفي الوقت نفسه كما قلنا إن هناك نوعين من الشباب، إمام شباب مُفرَّط، أو شباب يُفرط هذا شيء، النقطة الثانية إن الشاب عنده 15 عامًا فإذا أخذ نفسه بهذا الأسلوب، ونحن نعتقد أنه كما يصلي ويهتم بالصلاة وعنده وقت يقرأ في الإسلام وفي التفسير، وفي القرآن الكريم، فلابد أن يمارس رياضة، فلابد في تكوينه أن يتفق مع الدين ويكون على خُلق، أي أننا ننظر إلى الموضوع بشكل متكامل.
س : [ أنا أقوم بتربية حمام للطعام وليس للهواية، ولي جار يهوى تربية الحمام المدرب على الطير والعودة، وأثناء طير هذا الحمام يطير حمامي معه، وعندما أذخب لأطالب به وأعرفه بأن حمامي قد صاحب حمامه في الطير وذهب عندك، فينهرني، وعلمت أنه يبيع حمامي ]، فهل هذا حلال أم حرام، على العلم من أنه إذا أتى إلي حمام من حمامه فأنني أعطيه له، فما رأي سيادتكم في هذا ؟
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
هذا حرام من الناحيتين، حرام من ناحية أنه يعلم بأن هذا ليس حمامه، وحرام من ناحية أخرى وهو أن صاحب الحمام وهو السائل الفاضل قد ذهب إليه وطالب به، لو أن حمامة اختلطت بالحمام الآخر بدون علم الإنسان، ربما يكون له عذر، لو أن صاحبا العشان اتفقا فيما بينهما على أن يتسامحا، وأنه إذا جاءت حمامة من هنا فمصيرها أن تأتي حمامة من هناك، وتسامحا فيما بينهما باختيار، لا بحياء أو خجل فربما يكون الأمر سهل، أما أن يأخذ الحمام لغيره، وهو يعلم أنه حمام فلان، ويأتي صاحبه ليطالبه به، ثم يرفض تسليمه لصاحبه فالحرمة هنا مؤكدة ومزدوجة.
س : سيادتكم ذكرت أن صلاة الجمعة مفروضة وعلى الجميع أن يؤديها، ونحن نعلم أن إخواننا الذين على الجبهة ليس عندهم فرصة للصلاة بسبب ظروفهم فما حكمهم ؟
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
يخيل إليَّ أنك لم تتابعني وأنا أتكلم، فقد قلت إذا كان الإنسان مكلفًا بالجمعة لأن هناك طوائف من الناس غير مكلفين بها كالمرأة، أو المسافر، أو المريض، أو المكفوف البصر، إذا لم يجد قائدًا متبرعًا، إلى أخر ما هناك، ويمكن أن تُعد من هؤلاء أو في طليعة أصحاب الأعذار في هذا المقام، هؤلاء الأشقاء المرابطون في الجبهة يدافعون عن الوطن، فإذا لم يتيسر لهم إقامة الجمعة، فليست واجبة عليهم.
الأستاذ أحمد فراج :
نحن قد خصصنا حلقة عن صلاة الخوف، وهي الصلة بالنسبة لإخواننا في الجبهة.
س : بالنسبة لموضوع قصة ابن سيدنا عمر، في موضوع الخمر، يمكن هذا الموضوع سبق لبرنامج ” نور على نور ” أن تحدث فيه كثيرًا جدًا، ولكن من المؤسف أن كثير من الشباب يتمادى في شرب البيرة ظنًا منه أنه لم يوجد نصًا شرعيًا بتحريم الخمر، ومستندين إلى أن هناك نصًا شرعيًا على اجتناب الميتة، والكثير من الأحاديث النبوية الشريفة تؤيد ذلك، وأرجو من فضيلة الدكتور الشرباصي أن يذكر ] وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [ وشكرًا.
الأستاذ أحمد فراج :
إذا سمحت سنسمع سؤال الأخ أيضًا ثم نجاوب على السؤالين معًا، وشكرًا.
س : بالنسبة لموضوع الطلاق، هناك نسبة كبيرة جدًا من الناس يحلفون بيمين الطلاق على شيء، ولم يُنفذ هذا الشيء، فهل تصبح زوجته طالق، وإذا لم يُطلق زوجته، فهل يرتكب ذنب ؟ وشكرًا.
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
فيما يتعلق بسؤالك لأنه قصير الإجابة، الواقع إن يمين الطلاق ليس طلاقًا ” فعلي الطلاق ” لم أفعل شيء، المحققون من الفقهاء لا يعدون هذا يمينًا، وإن كان في الواقع يعتبر عملاً غير لائق بالإنسان، أنا أعتبر الشخص الذي يقسم بالطلاق، والحلف بالطلاق ليس ببني آدم، لأنه لا يرتفع إلى مستوى المسئولية الكريمة للإنسان.
الأستاذ أحمد فراج :
نرجع إلى موضوع الخمر، والحقيقة كان عندنا سؤال في هذا وتركناه قليلاً لأنني أحسست أنه سيأخذ بعض الوقت، وإن كان يهمنا الإجابة عليه، وهو من السيد المهندس بالمعاش علي محمود، والسؤال من بعض أقاربه في المهجر بكندا، يحضروا ندوات دينية في مونتريال، ويدخلون في موضوعات ومناقشة، وهو كان قد سأل سؤالين، سؤال عن نزول القرآن الكريم، ومتى بدأ، ومتى انتهى، وكم عام مضى عليه، والسؤال الثاني عن الخمر على اعتبار الآية ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ [ وهل هذه يفهم منها معنى التحريم، بمعنى أن الآية تقول [ فأجتنبوه ] وكثير من الناس يفهموا إن هذا الاجتناب مسألة ليس معناها التحريم، بدليل لماذا لم يقل [ حُرمت عليهم ] وبقى موضوع البيرة الذي أشار إليه الأخ، وكل الأشياء التي من هذا النوع، فنرجو أن نسمع رأي فضيلة الدكتور الشرباصي.
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
الواقع أن كثيرين من الناس يسيئون فهم تحريم الإسلام للخمر، ويتوهمون أن تحريم الإسلام للخمر ليس تحريمًا قطعيًا، مع أنه سيتبين لنا بإذن الله بعد قليل أن تحريم القرآن الكريم بالذات للخمر .. تحريمًا قطعي .. صريح .. واضح، لا جدال فيه فإجماع أئمة المسلمين والفقهاء، والقرآن الكريم ذكر أربع آيات تتعلق بتحريم الخمر وليس فيها غير الاتجاه إلى التحريم النهائي للخمر، الآية الأولى قوله تعالى ] وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [ السكر المراد به هنا الخمر، [ورزقًا حسنا] عمل هنا القرآن الكريم بين شيئين السكر وهو الخمر، والرزق الحسن، وما دام قال عن الرزق إنه حسن، فالسكر لليس بحسن، فكأن هذه أول خطوة في النص على تحريم الخمر، وهو أن السكر رزق سيء وخبيث وليس برزق حسن، بدليل أنه قورن بقوله تعالى [ رزقًا حسنا ]، الآية الثانية قوله تعالى ] يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا [ بعض الجهلة يقولون إن القرآن قال إن الخمر فيها منافع، وينتهي على ذلك، لا فهم متجاهلين أو ناسين أن الله تبارك وتعالى يقول [يسألونك عن الخمر والميسر] فجعل الخمر مع الميسر في حكم واحد، ] قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ [ وهذا حكم الله، الله يحكم على الخمر، وعلى الميسر بأن فيهما إثم كبير، وذنب عظيم، وخطأ جليل، ] وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [ منافع في تقدير الناس، وهو التجارة، استغلال الخمر في البيع، والاكتساب إلى آخره، فهذه منافع دنيوية، بجوارها منفع ديني المنفع الديني على المنافع الدنيوية، والفقهاء متفقون على أن الشيء إذا كان فيه منافع قليلة، وسيئات كثيرة، يحرم الشيء بسبب السيئات الكثيرة، ويضحي بالمنافع القليلة، الآية الثالثة قوله تعالى ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا [ كثير من الجهلة يقول ” طيب نشرب ” وسنفوق قبل الصلاة، ثم نصلي ونحن فائقين، هذا جهل، القرآن هنا يقدم صورة بشعة لأفراد يشربون الخمر، ثم يذهبون إلى الصلاة، فنقول لهم لا يمكن لهم أبدًا أن تكونوا أهل صلاة، وأهل وقوف أمام الله، ثم تقربوا الصلاة، وبين كل وقتٍ وآخر من أوقات الصالة مسافة لا تكفي لأن السكير يجلس ويشرب ويسكر، ثم يتخلص من آثار الخمر لأن الوقت الثاني من أوقات الصلاة سيكون قد دخل، ولم يتحقق له هذا، فكأن هذا إيحاء بشناعة الصورة على جد قوله تعالى ] وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِهُّهنَّ فَإِنَّ اللهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [ لا تحرضوا البنات الجواري على الزنا إلا إذا أحبوا التعفف، فإذا لم يحبوا التعفف نشجعهم على الرذيلة، لا، فهو يصور الصورة الواقعة الشنيعة، كقوله تعالى ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً [ طيب نعطيه ضعفين، أو ضعف واحد، لا، لكنه يصور الحالة الشنيعة ثم حضرت آية سورة المائدة الفاصلة في الموقف ] َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ أنا سأتلكم عن كلمة ” رجس ، وأجتنبوه “، وأذكرهم هنا بأية تقول ] فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [ فكان إذا كان بعض المغفلين يقول ” إن كلمة فاجتنبوه ” ليست نصًا في التحريم، يكون عبادة الأوثان، وشهادة الزور ليست محرمة في الإسلام، لأنه يقول ]فاجتنبوه مثل فإجتنبوه[ ] الرجس من الأوثان [ مثل ] الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ [ فكأن القرآن الكريم قد سوى بين شرب الخمر والميسر والأزلام، وبين عبادة الأصنام وشهادة الزور، والرسول عليه الصلاة والسلام قد قال ” إن أكبر الكبائر شهادة الزور، وظل يكررها حتى ظن الصحابة أنه لا يسكت ثم بعد هذا تقول الآية ] إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنتَهُونَ [ بعض المغفلين يقول ” نعم نحن ننتهي ” لا هذا تهديد، ووعيد من الله سبحانه وتعالى، أما أن لكم أن تظهروا، وتقتنعوا، وتجتنبوا، وكلمة الاجتناب أشد من التحريم، مثل ] ولا تقربوا الزنا [ أي حتى القرب منه محرم، كذلك القُرب من مجلس الشراب، الخمر مُحرم، ] اجتنبوا الخمر [ اجتنب بيعها، اجتنب صنعها، اجتنب حملها، اجتنب تقديمها، اجتنب مجالسة مَنْ يشربها، فهذا دليل على أن تحريم الخمر في الإسلام وفي القرآن بالذات تحريم قاطع، بقيت بعد هذا البيرة، بسؤال المؤمنين من الأطباء يقولون إن البيرة المعهودة فيها نسبة كحول تتراوح بين 8% إلى 15% وهم يعدونها من قائمة المواد الكحولية الروحية أي المُسكرة، وعلى هذا تكون البيرة حرام.
س : الآن في الجبهة هناك إخواننا المُسلمين، وإخواننا المسيحيين يجاهدون في سبيل الله معًا، فهل المسيحي الذي يستشهد في الجبهة تُنسب إلية الآية التي تقول : بسم الله الرحمن الرحيم ] وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ].
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
أولاً أنت تسأل وغير متخصص في موضوع السؤال والمواطن المسيحي الذي خرج إلى الجبهة واشترك في القتال له ميوله وعقيدته، وهو إذا أراد أن يستقي المعلومات المتعلقة بهذا الدين، أو بهذه العقيدة، إنما يسأل المتخصص فإذا ذهب إلى المتخصص في دينه وعقيدته وسأله هل الدفاع عن وطني يوجبه عليّ عقيدتي أو لا يوجبه ] فيجيبه أن عقيدتك توجب عليك أن تدافع عن وطنك، فإذا قال له ” إذا مُت في الحرب، فهل يكون لي ثواب وجزاء عند الله ؟ فإن المتخصص في دينه سيقول له نعم سيكون لك جزاء عند الله، فالمسلم يخرج إلى المعركة بدافع من عقيدته الإسلامية، والمسيحي يخرج إلى المعركة بدافع من عقيدته المسيحية، ولكل منهما عقيدته وديانته التي يعتز به، ويستجيب لدواعيه، إن كان مسلمًا سليمًا صحيحًا.
س : أنا سيدة متزوجة من فترة قصيرة، ورزقت بطفل عمره أربعة شهور، في فترة خطوبتي كان يحدث خلافات دائمًا بيني وبين خطيبي، وبعد أن أتممت زفافي أصبحت مستريحة مع زوجي، لكن أهلي في نفس الوقت يعايرونني على هذا، وهو لماذا [ أعامل زوجي أنا كويسة مع زوجي بعد كل الذي فعله فينا ]، ولكن أنا مخالفة أهلي في هذا، فهم دائمًا يتعرضون لي [ يضايقونني ] فأنا لا أعرف هل أطيع أهلي أم أطيع زوجي ؟ وشكرًا؟
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي :
على كل حال ننظر للسؤال نظرة موضوعية، كل منا عُرضة لأن يخطئ ثم يتوب كما يقول الدين، فإذا كانت الوقائع التي سمعناها الآن مطابقة للواقع وهو أن الزوج كان قد أخطأ ثم تاب واستقام، ورضيت الزوجة بالعيش معه، يبقى في حياتهما منْ يُعكر صفوهما، فنصيحتنا إلى أسرة الزوجة وإلى أسرة كل زوجة أن تكف عن التدخل في صفاء الزوجين، ما داما قد رضيا، واستقاما، وتحقق الصفاء والود بينهما.
الأستاذ أحمد فراج :
الحقيقة رغم أننا تجاوزنا الوقت إلا أنه مازال عندنا أكوام من الرسائل، كما أرى الأيدي ترتفع من كل مكان للأسئلة، ونرجو أننا نستطيع أن نُفسح حلقات أخرى قريبة إن شاء الله للإجابة على الأسئلة والرسائل التي تأتي إلينا.
ويبقى في النهاية أن نشكر فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي، ونشكركم جميعًا، ونرجو أن نلتقي معكم سيداتي وسادتي دائمًا على خير.
شكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.