حلقة نور على نور
المسجلة في مساء يوم الخميس الموافق 25/10/1962م
والتي أذيعت في الساعة 2.00 من مساء يوم الجمعة الموافق 2 نوفمبر 1962م
الأستاذ / أحمد فراج
سيداتي، وسادتي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هناك رسائل وصلت للبرنامج يشكوا أصحابها من ضيق الوقت المخصص للأسئلة، ويشعرون أن هناك جانب للمناقشة أكبر ينبغي أن يخصص لأسئلة السادة الحاضرين، وللأسئلة التي تأتي عن طريق الخطابات للبرنامج، الواقع أن ظروف المناقشة تضطرنا أحيانًا إلى تبيان وتوضيح بعض النقاط التي تطرح للبحث، لذلك نضطر أن يكون الوقت المخصص للأسئلة قليل، [ وسنحاول ] هذه المرة أن [ يكون الوقت ] أوسع بالنسبة للسادة الحاضرين والخطابات التي أتت لنا، [ ولقد تكلمنا في الندوة الماضية ] عن الطلاق والندوة التي قبلها عن تعدد الزوجات.
ويسعدنا في هذه المرة أن يشترك معنا فضيلة الأستاذ الشيخ محمد المدني عميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر، وفضيلة الأستاذ الشيخ أحمد الشرباصي الأستاذ بالأزهر الشريف.
[ ولقد اشترك معنا في الحلقة الماضية ] الأستاذة مفيدة عبدالرحمن والأستاذ الدكتور محمد سلام، في موضوع الطلاق بالذات، وتكلمنا على وجهتي نظر وجهة نظر : [ الأولى ] تستبعد أو تجد أنه من الصعوبة بمكان أن الطلاق يقيد أمام القاضي لما يترتب على ذلك من مسائل عديدة. [ ليتفضل ] فضيلة الأستاذ الشيخ محمد المدني بشرحها.
لأن وجهة النظر الثانية كانت ترى لولي الأمر التدخل في تنظيم المباح، باعتبار أن الطلاق مباح، [ وإن كان أبغض ] الحلال عند الله، وباعتبار أن القاضي تدخل – القاضي المسلم – في إيقاع الطلاق في بعض الأحيان، إذا كان فيه إعسار من الزوج مثلاً، أو يقع الطلاق بسبب الضرر، فهنا القاضي يتدخل، إذن فمبدأ التدخل قائم وممكن، إن الشروط التي وضعتها الشريعة الإسلامية كي يقع الطلاق تأخذ شكل مواد قانونية وتطبق، ويكون فيها عقوبة على مخالفة هذه القواعد أو هذه المواد القانونية، هذه باختصار كانت الفكرتين اللتين طرحتهما في الندوة الماضية.
يمكن لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد المدني أن يدلي بسرعة بأسباب وجهة نظره في الموضوع، فأرجو أن أكون قد وفقت في وجهة نظر أخرى، بعد ذلك نفسح المجال للخطابات وللأسئلة الموجودة لدينا.
الأستاذ الشيخ / محمد المدني :
رأيي مثل ما شرحته في الندوة السابقة، أنه لا يُلجأ إلى القضاء كلما أمكن عدم اللجوء في شئون الأسرة، وذلك لأن شئون الأسرة عادة لا يحسن أن تعرض في المحاكم، وأن يطلع عليها الناس، وأن توضع موضع البحث، لأن الرجل إذا أراد أن يطلق زوجته، وقلنا له لابد أن توقع الطلاق أمام القاضي، فسيضطر هذا الرجل إلى أنه يذكر أشياء كثيرة، ربما يفتعل بعض الأسباب التي تبرر في نظره أن يطلق الزوجة فربما اتهمها ببعض الأشياء لا تليق أبدًا من الرجل الذي عاش مع الزوجة وله منها أولاد، وأن يعرض سمعتها لاتهمامات من هذا النوع. أنا أحب دائمًا أن نستمع لتوجيه القرآن الذي جاء في قوله تعالى ] وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا [ الله سبحانه وتعالى يعلم أن حكمًا من أهل الزوجة، وحكمًا من أهل الزوج، هما أدرى الناس بما يكون عادة بين الزوجين من ملابسات وظروف، وهما في نفس الوقت أحرص الناس على درء ما عسى أن يصيب هذه الأسرة من سمعة سيئة، وهم أدرى الناس بما يؤدي إلى جو من الهدوء والحكمة بعيد عن التعصب ومعرفة ما يكون سببه الزوج أو الزوجة، لذلك نجد القرآن يهدف إلى ما وراء ذلك من إصلاح [ فلقد قال تعالى ] ] إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا [. لم يأتي بالمقابل الذي هو غير الإصلاح، فيقول : وإن لم يريدا إصلاحًا فالأمر كذا، ولا يجب أن يفرضه حتى في الحديث، لذلك أحب أن ننظر إلى هذا التوجيه القرآني فيما يتعلق بالصلات الزوجية التي تكون عماد الأسرة، ومن جهة أخرى أحب أن أقول أن القاضي له سلطة إيقاع الطلاق والشريعة قد اعترفت بذلك، حيث جعلت له حق إيقاع الطلاق حين يكون هناك ضرر على الزوجة، وتطلب التطليق من الزوج، وأباحت للقاضي أن يوقع الطلاق في حالة إعسار الزوج، أو في حالة غيبته غيبة طويلة من شأن الزوجة أن تضار بها، لكن هناك فرق بين أن يكون للقاضي حق إيقاع الطلاق، وأن يكون للقاضي عدم إيقاع الطلاق، بمعنى عدم الاعتراف بالطلاق الذي وقع في غيبته، لا يمكن مطلقًا أن يأتي أي إنسان إلى صيغة تستلزم بمقتضى معينًا فيمنع هذا المقتضي، فإذا قلنا أن القاضي أو القانون ينظم المسألة بحيث يلزم الرجل بأن يتريث ويتروى ليكون هناك شيء من العوائق أمام الطلاق، بحيث لا يفعل هذه الفعلة التي هي مكروهة في الإسلام إلا أمام القاضي، وإذا أوقعها في غير حضور القاضي، فإن القاضي يوقع عليه عقوبة أو يغرمه غرامة أو ما إلى ذلك، فهذا شيء آخر ولا يمكن مطلقًا أن نقول أن الطلقة لا تقع إلا أمام القاضي، فتنظيم المباح الذي يذكر إنما هو في مثل ذلك، ولا يكون في منع الصيغة من أن تستتبع مقتضاها الشرعي، ولا منع الزوج من إيقاع هذه الطلقة التي هي من حقه، والقاضي إنما يريد أن يسوي المسألة، والأقدر في تسوية المسألة هي اللجنة الأسرية التي يأمر القرآن بتشكيلها لأن كل أسرة لها ظروفها الخاصة فهي أقدر على تحقيق ذلك.
الأستاذ / أحمد فراج :
كان يسعدنا أن يكون الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور موجود معنا لكي يحسن عرض وجهة نظره، لذلك اعتذر نظرًا لوجود مشاغل لديه هذا الأسبوع، ونضيف إلى ما قاله فضيلة الأستاذ الشيخ محمد المدني مناقشة الموضوع لم تكن تستهدف حرمان الرجل من هذا الحق لأنه حق شرعه الله تعالى. إنما كانت المناقشات حول إساءة استخدام الرجل لهذا الحق في بعض الأحيان.
قلنا أن الشريعة الإسلامية وضعت شروطًا معينة يقع فيها الطلاق، وقلت لا يتيح الطلاق في بعض المذاهب مذل الطلاق التهديدي، لا أقول الطلاق المعلق لا يقع، ذكرنا بعض الحالات من جود شاهدين عادلين يشهدا على الطلاق، وتساءلنا في هذه النقطة، وقلنا أنه لا يمكن أن هذه الشروط التي وضعتها الشريعة الإسلامية تأخذ شكل مواد قانونية بحيث أن مخالفتها يكون عليها عقوبة مذل ما ذكر فضيلة الأستاذ الشيخ محمد المدني أن وجود القاضي ليس معناه أن الطلاق لا يقع إلا أمامه، إن الرجل يوقع الطلاق، ويكون مخالف للقاعدة التي كانت موجودة أنه من الضروري من وقوع الطلاق أمام القاضي. هذه نقطة أردت أو أوضحها.
وأستأذن أن أجيب على رسالة من الرسالات الموجودة لدينا، تحبوا تفكروا في أسئلة في الموضوع.
هناك رسالة من مواطن يتكلم فيها عن موضوع تعدد الزوجات الذي ناقشناه في الحلقة الماضية، يقول في هذا الموضوع : أنه لا يضع سلاحًا في موضوع الشريعة جهلا فهم لحكمة الحكم. يقول بعد هذا أنه يجب أن نعرف الفرق بين نقطة العلاج الذي نعتمد فيه على العرف السائد في مجتمعنا دون الغوص في أعماقه وكشف أسباب الإباحة المشروطة بشرط مستحيل التعيين بالنسبة للتعدد، يقول إن ربنا وضع هذا الحق أو هذه الإباحة، لكن وضع عليه قيدين لا يخفى عليكم ذرك الآية، قال أن التعدد مشروط بالعدل، ولا يمكن إقامته ولاسيما ذكر في سورة النساء ] وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ [ يقول أن فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الغزالي قد أغفل هذه الآية ولم يذكرها وستبعد من شروط العدل المحبة القلبية، والمساواة بين الزوجين وقصرها على الشروط المادية من ملبس ومأكل ومشرب، حتى هيه مستحيلة التحقيق، يقول أن الله تعالى قال [ ولو حرصتم ] ويقول هناك أحاديث أخرى في الموضوع.
والغريب [ أن الآراء ] التي ذكرت في الندوة بسيطة عن تعدد الزوجات المأخوذ بها عن الشريعة الإسلامية دون الالتفات للآية ] وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ[.
يمكن أن نعرض الرسالة على فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد الشرباصي ليوضح مفهوم العدل الذي ذكر في الآية، ويقول صاحب الرسالة أنه مستحيل التحقيق.
الأستاذ الشيخ / أحمد الشرباصي :
الواجب علينا هو أن نحكم بالإسلام على أعمال الناس، لا أن نحكم على الإسلام بأعمال الناس، فإذا كان بعض المسلمين قد أساءوا استعمال حق تعدد الزوجات فليس هذا بضائر للإسلام في مبادئه السامية وتشريعاته الحكيمة، لأن الإسلام عندما شرع تعدد الزوجات شرعه لحالاته، ولظروفه، ولحكمه، وللأهداف التي يحققها ذلك التعدد.
ويجل ألا نغفل عن أن الأصل في الإسلام هو أن يتزوج الإنسان زوجة واحدة، وهو معها مطالب بواجبات، وبنفقات، ومسئولياته كثيرة تجاه هذه الزوجة، وتجاه من يخرج منها من ذرية بنين وبنات، لكن هناك حالات بينتها الشريعة الغراء، يضطر فيها المرء إلى أن يعدد الزوجة بواحدة مع الأولى أو أكثر في حدود الأربع زوجات كما هو معلوم من القرآن والسنة.
أما ما يشير إليه السائل من أن القرآن الكريم قد علق إباحة التعدد على تحقق شرط العدل. وأن تحقق هذا الشرط غير ممكن حتى في المسائل المادية، فهذا فهم غير سليم للنص القرآني، لأن القرآن يقول ] وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ [. فالقرآن ينفي عن الإنسان أن يستطيع العدل المطلق الكامل في كل النواحي ولذلك يوصي الإنسان ويأمره بألا يميل ميلاً ظاهرًا، وأما محبة القلب فلا يستطيع أن يتحكم فيها، ولكن يجب ألا يظهر أثر هذه المحبة في معاملة الزوج لزوجاته، ويعفو الله عما يطويه القلب من محبة لزوجة أكثر من محبته لزوجة أخرى، وهذه المحبة لا يستطيع الإنسان أن يتحكم فيها، حتى مع أولاده، فالإنسان أحيانًا يميل إلى ولد لأنه موفق في عمله، أو مستقيم، أو صاحب أخلاق طيبة، لكن إذا أظهر الوالد أثر هذا الميل في محبته وميز ولدًا عن ولد فإنه يسئ بذلك.
ونخلص بأن تزويج الرجل بزوجة ثانية عند اللزوم جائز، إذا استطاع أن يتحملها بأعبائها ومسئولياتها من مأكل وملبس ومسكن وعدالة ممكنة، ثم اضطر بعد هذا لأن يتزوج ثالثة وقدر على نفقاتها، فإنه يباح له أن يتزوج بثالثة، فتعدد الزوجات في الإسلام مباح في نطاقه وهو دواء يستعمل عند الحاجة إليه.
الأستاذ / أحمد فراج :
س : تكلم فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد الشرباصي الآن عن الأصل في تعدد الزوجات، ولماذا أبيح هذا التعدد، وتكلم في نفس الوقت على أن هناك من يسيئون استخدام هذا الحق، ما هو الممكن أن تعمله الدولة الإسلامية لكي تحد من إساءة استخدام هذا الحق ؟
الأستاذ الشيخ / أحمد الشرباصي :
الواقع ـ كما قيل في هذه الندوات أكثر من مرة ـ إن الإسلام نظام متكامل يجب أن ينظر إليه ككل أو كسلسلة متصلة الحلقات والأجزاء، فإذا دخل الضعف أو الوهن على حلقة من حلقات هذه السلسلة، فإن الضعف يتطرق إلى أجزاء السلسلة كلها، ولكي نقاوم إساءة استعمال حق تعدد الزوجات، يجب أولاً أن يكون هناك وعي فقهي وديني بين الأمة الإسلامية، ويجب أن يكون هناك ثقافة إسلامية للمرأة، تعرّفها بالمسائل المختلفة في الشريعة حتى تعرف ما لها وما عليها قبل الزواج، ويجب أن تشعر المرأة بموقفها الذي تصير إليه إذا قبلت الزواج على أخرى، وهكذا يلزم أن نتعاون جميعًا لإصلاح الأخطاء التي نشأت وتنشأ من سوء استخدام الرجل لتعدد الزوجات، لأن كثيرًا من هؤلاء الأزواج في غير مقامه، وهؤلاء يجب أن يؤدبوا ويحملوا على سواء السبيل، إذا كنا لا نستطيع أن نغلق باب تعدد الزوجات لأنه حق مشروع يستعمل عند الحاجة إليه وقد نص عليه القرآن الكريم كما سبق بيانه. فإذا ثبت لولي الأمر الشرعي أن رجلاً ما يستعمل هذا الحق استعمالاً سيئًا فله أن يضرره وأن يحمله على سواء السبيل بالطرق المشروعة بعد أن تكون الخطوات السابقة التي جعلها الإسلام وسائل للاستقرار والاطمئنان في المجتمع الإسلامي قد اتخذت على وجهها وبروحها.
الأستاذ / أحمد فراج :
لقد قلنا قبل ذلك في البرنامج أن الإسلام يعتبر الفرد وحدة إسلامية متكاملة حينما يمنح الإسلام حق معين، يفترض أن هذا الفرد منتمي ببيئة معينة، لا يسئ استخدام هذا الحق.
أذكّر حضراتكم باقتراح قدّم فيما يتصل بالوسائل، لأنه في بعض الأحيان يحدث كذب، وإخفاء حقائق، كل هذا الاقتراح خاص بموضوع البطاقة الشخصية التي تبين حالة الرجل من الناحية الاجتماعية هل هو متزوج حاليًا أم لا ؟
هذه تكون بعض الوسائل التي توضح لأي زوجة ثانية حالة الشخص عندما يتقدم للزواج منها.
س : إذا كان الرجل ثري يمكنه أن يتزوج أربعة، لماذا تمنعه الشريعة ؟ إذا كان فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد الشرباصي يريد أن يحد من هذا الحق ما المانع ؟
الأستاذ الشيخ / أحمد الشرباصي :
الواقع إني لم أطلب المنع ولم أدع إلى الحد وكيف أمنع ما أباحه القرآن ؟ إنما طلبت وأطالب في بحثنا لاستعمال الحق المباح شرعًا، بأنه إذا وجد رجل في هذه الصورة له قدرة مادية، وفيه صلاحية لتبعات الزواج المتكرر، وهناك من تعلم حالته من النساء وترضى به زوجًا لا نمنعها مما تراضيا عليه، ويجب على الزوج أن يحرص على حقوق الزوجات والعدل بينهن قدر طاقته وأما العدل المطلق فغير مستطاع ولا يستطيع أحد أن يقف في طريقه.
الأستاذ / أحمد فراج :
الكلام يستهدف عدم إساءة استخدام الحق، ولدينا المناقشة تستهدف وضع قيد على هذا الحق أو إصدار قانون يمنع إساءة استخدام هذا الحق من الرجل أو شيء من هذا القبيل.
الأستاذ الشيخ / محمد المدني :
أريد أن أقول للسيد السائل أن الفكرة ليست فكرة أن الغني يتمتع بما يشاء، والفقير يظل محرومًا أبدًا، إنما الفكرة أن نلاحظ [ أنك تجمع بين ] نساء متعددات اثنتين أو أكثر، أن هذا الجمع سيكون له عواقب وخيمة، قد يكون هذا مباحًا لك حقًا، ولكن قد يكون فيه ضرر بالمجتمع، ومن شأنه أن ينتج ثمرة من الأولاد المتشاكسين ومن الأسر المتنازعة، ولذلك عندما تحدثت في الموضوع اقتبست فكرة من قوله تعالى ] وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي [ على أساس أنه لابد أن يكون هناك المبرر، وليس المبرر هو الغنى، أما أن الغني يستطيع أن يتمتع بما يشاء بينما يظل الفقير محرومًا، فهذا نوع من الامتياز، أي أنه إعطاء امتياز للغني على الفقير.
إذن يجب أن يكون هناك تشريع يقول إذا أدى استعمال هذا الحق إلى ضرر آخر فلا يجوز الإذن به بدون مبرر، ويجب إلى جانب هذا كما قال فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد الشرباصي أن يكون هناك وعي، وأن نكرر دائمًا أن الناس يجب عليهم أن يشعروا بما في تعدد الزوجات من ضرر، ليكثر الوعي في هذا الموضوع ولا نلجأ إلى التشريع إلا في آخر لحظة، عندما نلجأ إلى هذا التشريع نرجع إلى مسألة اللجنة التي توجد من الأسرة أو توجد على نحو ضيق بعيد عن القضاء، لا أريد فكرة أن الأغنياء لهم الحق أن يعددوا إن شاءوا ما داموا قادرين، وإن أقوياء الأبدان لهم الحق أن يكونوا متزوجين باثنتين وثلاث وأربع، هذا لون من المادية لا يمكن مطلقًا أن يقصده الإسلام، وإنما يقصد أن يهدف إلى مبرر بأن يكون الغرض من الزواج هو إيجاد حالات لإنقاذ من يحسن إنقاذه، مثلاً قد تكون المرأة أرملاً، وقد يكون زوجها مات في حرب، وأنت تريد أن تتزوجها لتربية الأولاد،و قد حدث أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حين تزوج أم سلمة فقد كانت زوجة لأبي سلمة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم صديقًا لزوجها وقد مات في غزوة من الغزوات، وكانت امرأة كبيرة مسنة، لها أولادها، فماذا تصنع هذه المرأة غير المرغوب فيها، لم يأخذها الرسول صلى الله عليه وسلم لمجرد أنه غني أو قوي، لكن أخذها لمعنى شريف، هي أن يرعاها إكرامًا لزوجها، فكل تعدد فعله الرسول صلى الله عليه وسلم كان في نطاق مصالح علها، في نطاق مبررات قوية إنسانية.
الأستاذ / أحمد فراج :
إذا كنا ذكرنا في بعض الندوات أن الأمثل هو الزواج بواحدة، يجب ألا ننسى أن الإسلام حين أباح بالشروط والضرورات التي قلناها هو منطقي مع طبائع الأشياء، وضرورات الحياة، هذه نقطة لابد من ذكرها، نريد أسئلة في موضوع الطلاق والتعدد لكي ننتهي من الأسئلة كلها.
س : بالنسبة للرجل الذي أراد أن يتزوج بأكثر من امرأة واحدة، وقد مضى على زواجه أكثر من 20 سنة، وعنده أولاد، ما هو الضمان للزوجة التي عاشرته أكثر من 20 سنة لكي لا يطلقها أو يتزوج عليها، الدين أو الشرع ذكر آية، لكي تحتفظ بكيان أولادها.
الأستاذ / أحمد فراج :
إذا كان يبقيها ويعدد عليها قلنا الشرط التي يجب أن تتوفر في مسألة العدل وهي القدرة على الإنفاق، إذا افترضنا الحالة الثانية أنه طلقها بعد هذه الفترة ما هي الضمانات ؟
الأستاذ الشيخ / أحمد الشرباصي :
تتكلم عن الضمانات لكي لا يطلقها أو الضمانات لكي لا يتزوج عليها، بالنسبة لمسألة الطلاق، أنا لا أريد أن يكون الطلاق مباحًا بعموم هذا اللفظ، إذا كان بعض الفقهاء وقد قالوا أن الطلاق مباح، فهناك من الفقهاء كثيرون لم يقولوا بإباحته على الإطلاق لمعنى كلمة الإباحة، فمثلاً الإمام السرخسي يقول : إن الطلاق يكون مباحًا عندما لا تطاق المعيشة، ويقول الإمام الكاساني : إن الطلاق الأصل فيه الحظر يعني المنع إلا لحاجة، ويقول الإمام الكمال بن الهمام : الطلاق الأصل فيه الحظر، وإنما يباح للضرورة. ويروي ابن عابدين في حاشيته أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم قالوا : إن الطلاق لا يكون إلا لضرورة، فمسألة تدخل القاضي في الطلاق وتقييد المباح فيها نظر، لأن الطلاق لا نقول فيه بأنه مباح بعموم اللفظ، هو مباح عندما توجد حاجة إليه، والأصل في روح الشريعة أن يكون الطلاق لحاجة، لأنه لو كان بغير سبب لكان سفهًا يعزر عليه صاحبه ويؤدب من ولي الأمر الشرعي. أنا أرى أن عرض أمر الطلاق على القاضي ليس تقييدًا لمباح أو ليس أمرًا مبتعدًا أو جديدًا، وإنما هو رجوع إلى نص القرآن الكريم لأن من المفسرين من يقول في تفسير قوله تعالى ] وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا [ يقول ” وإن خفتم ” موجهة إلى من يملكون تنفيذ هذا، وهم ولاة الأمور، وقيل أن اللجنة الأسرية المكونة من ممثل الزوج وآخر للزوجة تكون ما اتفقت عليه ملزمًا للقاضي ويحكم به حتى لو اتفقا على الطلاق، ورأيا أنه لا مفر من الطلاق فإن القاضي بفصل بين الزوجين، وقالوا إن لم يتفق الحكمان على الطلاق فإن ولي الأمر، والقاضي يكلف حكمين آخرين يحكمان بينهما، وقالوا أن الطلاق كما هو للزوج هو للزوجة تطلبه من القاضي عند الحاجة إليه، فإن كان الطلاق يسمى طلاقًا بالنسبة للزوج فإنه يسمى فسخًا بالنسبة للزوجة فطلاق الرجل يساوي فسخ القاضي بين الزوج أو الزوجة، فعندما نجد مصوغًا للتفريق بينهما، تتقدم لولي الأمر وتقول له أن في زوجي عيبًا خلقيًا، أو إعسارًا ماديًا، أو هو غائب غيبة طويلة، أو حكم عليه بسجن طويل، أو ما إلى ذلك، في هذه الحالة يعطي القاضي بسلطته المكفولة من الشريعة الإسلامية حق التطليق والفسخ للمرأة، ثم يخشى بعض الناس من عرض الأمر على القاضي لكشف الأسرار، فما رأيك في أن حالات الفسخ تتقدم فيها الزوجة للقاضي وتقول أن زوجها فيه عيب من العيوب الخلقية أو الجنسية أو غير ذلك من الأسرار، إن القاضي بمقتضى وظيفته يطلع على هذه الأسرار في الحياة الزوجية، والمفروض أن القاضي مؤتمن على هذه الناحية كما يؤتمن الطبيب على أعراض الناس، وعلى عوراتهم، وعلى أسرار المجتمع المادية والخلقية في دقائق الأحوال، ثم تأتي الكراهية فيسأل سائل هل تكون مسوغًا لطلب الطلاق، والواقع أنه ينظر إلى المسألة على أن الخلاف أمر طارئ بين الزوجين فإذا حدث وعالجاه بطرقهما فبها ونعمت، وإن فوضا الأمر لولي الأمر فإنه يوقع الحكم بعد استيفاء التحكيم، والغالب أن الزوج لا يطيق المعيشة مع زوجته التي تكره، فإن أطاقها فإنها تصبر ما استطاعت حتى يسيء المعاملة فتثبت عليه ذلك وتطلب من القاضي الفسخ بينهما، وينبغي أن نلاحظ أن الكراهية حجة قد يتمسك بها من لا يكره فعلاً، والزوج هو القوّام على الأسرة، وهو المنفق، ولذلك لا نستطيع أن نحرمه من حق الطلاق الذي أعطاه له الإسلام.
الأستاذ / أحمد فراج :
النقطة التي تأتي بعد ذلك ما هي الضمانات التي تعطى للزوجة بعد عشرة طويلة، وطلقها زوجها ؟
الأستاذ الشيخ / أحمد الشرباصي :
هذه هي الضمانات، أولاً فالزوج في الأصل لا يقدم على الطلاق إلا بعد التحكيم، والتحكيم سيكون ملزمًا، وفي هذه الحالة إذا رأى ولي الأمر سواء استعمال للحق فسيعرض من العقوبة ما يوازيه، وإذا علمنا أن الرجل سيتكلف ما يتكلف من متعة ونفقات، ومن ناحية نفقة الأولاد إذا كانوا صغارًا وما إلى ذلك من أمور، ومؤخر الصداق، عرفنا أنه حين يقدم على الطلاق يقدم عليه وهناك مسوغات تدفعه إلى التضحية لكل هذه النفقات.
الأستاذ / أحمد فراج :
هناك تعقيب من فضيلة الأستاذ الشيخ محمد المدني.
الأستاذ الشيخ / محمد المدني :
فيما يتعلق بالضمانات التي يجب أن تهيأ لزوجة عاشت مع زوجها 20 عامًا ثم تطلق، أحب أن أقول إن الإسلام أولاً عندما يعقد بين زوجين وسمى مهرًا بينهما وصداقًا ثم يترك الزوج زوجته ويفسخ هذا العقد، يلزمه بأن يدفع نصف المهر تعويضًا لهذه الزوجة لأنه طعنها في مستهل حياتها الزوجية، وقبل الدخول طعنه نجلاء، فجعل لها الإسلام أن تأخذ نصف الصداق تعويضًا عن حالة الزوجية، وعدم قيامها بين الزوجين، أحب أن نأخذ من ذلك أنه إذا استعمل الرجل حقه في الطلاق في حدود قريبة، وسهلة، فإن الإسلام شرع ما يقوله فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد الشرباصي من نفقة العدة، ومن النفقة للأولاد وما إلى ذلك، غير أنه إذا حصل ضرر بالغ شنيع مثل الصورة التي سألها عنها السائل وهي بعد أن يعاشر الرجل امرأة مدة 20 عامًا، فبطبيعة الحال هذه المدة كافية لتثبيت دعائم الزوجية ثم بعد ذلك تخرج هذه المرأة من بيتها وقد أصيبت بضرر غير عادي، هذا الضرر غير العادي يجب علينا أن نفكر وأن نشرع لمثل هذه الحالات غير العادية، ولنعتبر بما كان من المرأة المجادلة التي تقول للرسول صلى الله عليه وسلم هذا زوجي يا رسول الله قد تزوجي وأنا شابة مرغوب فيّ، فلما نثرت بطني كثيرًا من الأولاد وتقدمن في السن طلقني وجعلني عليه كظهر أمه، هي تصور له حالة سيئة تشعر بها المرأة بعد هذا العمر الطويل، فقد تعيش الزوجة مع زوجها ويكون له منها أولاد، تصور هذه الحالة السيئة، الواقع أنه لا يمكن مطلقًا أن ترضى الشريعة بمثل هذا اللون من الظلم، وفي مثل هذا الظلم البين يحسن أن يوضع تشريع يقضي بأن يجعل لمثل هذه المرأة تعويض لما يصيبها من الضرر، خصوصًا وقد تقدمت بها السن، وأصبحت غير صالحة للحياة الزوجية، فيحكم لها بما يشبه بالتقاعد، والمعاش، فالدولة تعطي معاشًا لكل إنسان بعد استيفاء مدة خدمته.
الأستاذ / أحمد فراج :
أريد أن أقول نقطة هامة، الضمان مش مفروض أنه له حد أدنى.
س : في الحلقة الماضية، كان هناك بعض الملاحظات أرجو أن نلقي عليها بعض الأضواء، قيل في الحلقة الماضية أن أول ما قيل أننا لسنا ملزمين بأن نتبع أي مذهب من المذاهب وإن لنا الحق أن نقلد أي مذهب من المذاهب، كيف نقول هذا الكلام. النقطة الأخرى إذا كانت هناك بعض الآراء تخالف أحاديث صحيحة، كيف نعمل بها، ولو كانت هذه الآراء، آراء لبعض الفقهاء مثل الرأي الذي يقول أن الطلاق في أثناء الحيض لا يقع، هذا في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أمره بأن يرجعها، وإذن فالطلاق وقع. أريد أن أتكلم في مسألة الشاهدين، وأسأل من الذي قال من الفقهاء أن الشاهدين شرط في صحة الطلاق بمعنى أن الطلاق لا يقع إلا إذا كان هناك شهود، إذا كانت الشهادة بعض العلماء قالوا بها، لكنها تخالف ما كان عليه الصحابة، وما كانوا يفعلونه أمام النبي صلى الله عليه وسلم فما قيمة رأي هؤلاء ؟
الأستاذ / أحمد فراج :
فيما يتصل بمسألة الآراء في المذاهب، ومسألة ليس من اللازم أن نقلد الآراء التي في مذهب معين، وواضح هذه النقطة جاءت على لسان الدكتور محمد سلام مدكور وذكر أنه ليس مفروضًا أن نلتزم برأي واحد من آراء الفقه إنما أمامنا الفقه كله نستطيع أن نأخذ ما يتفق مع صالح الجماعة في عصرنا أو ظروفنا التي نعيش فيها، أقول حاجات لا ضير نتبع فيها المذهب الحنفي أو رأي الشافعية في حاجة أخرى، اعتقد أننا لا نتبع الإمام الشافعي هو شخصيًا أو آرائه شخصيًا أو الإمام مالك أو أحمد بن حنبل، إنما نتبع رأي الإمام أحمد بن حنبل في القضية الفلانية، وأنه ما ثبت عند الإمام أحمد بن حنبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله أو قاله، كان هو الذي نتبعه، ولا نتبع رأي الفقهاء إنما نتصور الذي ثبت عنده من الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو ترجيح لرأي من الآراء، فيما يتصل بالحيض والشهود قلنا الآية ] وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ [. هناك آراء معينة من الفقه تقول إن الطلاق فيه عدة آراء، طلاق الغضبان، والمعلق … إلخ، قلنا إذا كان هناك قيود تضعها الشريعة، وقلنا وقتها في المناقشة هل يمكن هذا القيد يأخذ شكلاً قانونيًا، هذه مقدمة يمكن لفضيلة الأستاذ أحمد الشرباصي أن يتحدث في هذه النقطة.
الأستاذ الشيخ / أحمد الشرباصي :
لعل السبب في السؤال الأول هو أنه وردت كلمة تلفيق على لسان أحد السادة المشاهدين، والكلمة قد صار لها مدلول غير المدلول الذي يريده الفقهاء عندما يعبرون بها في الأحكام، المقصود بالتلفيق في عبارات الفقهاء أن الإنسان قد يحتاج إلى الجمع بين رأي فقهي في مذهب، ورأي آخر في مسألة أخرى من مذهب ثان من المذاهب الأربعة، فهذا يجيزه الفقهاء عند الحاجة بحيث لا يتعمد الإنسان جمع الرخص والتسهيلات الموجودة في المذاهب، وإلا كان هذا يخلصنا من عزائم الدين وواجباته.
والذين يقولون بوجوب وقوع الطلاق في طهر لم يمس الرجل المرأة فيه لا يأتون ببدعه بل يعتمدون في هذا على ما يفهمونه من قول الله تبارك وتعالى ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [ الخطاب موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويراد به التعليم لأمته، وقول الآية [ لعدتهم ] يفيد معنى البدء في العدة، والعدة لا تبدأ إلا عند الطهر، فكأنه يريد أن يقول : طلقوهن عند ابتداء طهرهم لتبتدئ عدتهم والآيات قالت [ واحصوا العدة] وهذا يفيد أن العدة ينبغي أن تكون مدة محدودة محصية. وهذا يقتضي الشروع في إحصائها عقب بدئها حتى لا يطول الانتظار على المرأة.
السؤال الأول هو مسألة الشاهدين عند الطلاق، وهي رأي الشيعة الإمامية، ونحن في قوانين الأحوال الشخصية نأخذ من كل المذاهب المعتمدة، وهذا الرأي يعتمد على قول الله تعالى ] وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ [. وإذا لاحظتم المآسي التي تحدث من طلاق الزوجة دون علمها بهذا الطلاق لتدبرتم الأمر طويلاً، فما ذنب المسكينة حتى يطلقها الزوج دون أن يخبرها وتظل كالمعلقة.
الأستاذ الشيخ / محمد المدني :
الواقع إننا إذا قلنا يجب أن نضع قانونًا أو تشريعًا في مسألة ما، فإنما نريد أن يكون مستمدًا من الشريعة، وإذا كان بعض الناس مثلاُ لا ترى الاعتداد بالطلاق الذي يقع في أثناء الحيض، فإن هذا رأي مستمد من الشريعة، ومستند إلى أحاديث مروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد فهمها المجتهدون وأخذوا بمقتضى الفقه فيها، وذلك من حقهم، وابن القيم يسمى (المفتين) بالموقعين عن رب العالمين، يعني أنهم قد أعطوا بمقتضى أصول الإسلام أن يفسروا الشريعة ويستنبطوها من أدلتها.
إذن فلا يقال إننا حين نشرع شيئًا، فإنما نشرعه من عندنا ما دام ليس موجودًا أو ليس مأخوذًا به في المذهب الفلاني، أو في العهد الفلاني، فالمرجع هو الأدلة الأصلية وفهمها والاستنباط منها.
س : مجرد اقتراح بسيط، نرى في هذه الندوات أن تتجه حكاية الطلاق في الحيض إلى أنه لا يعتبر طلاق الغضبان طلاق، مع العلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تكلم في هذه المسألة، واتجه إلى الاتجاه الذي سرنا فيه، لأنه أيام النبي صلى الله عليه وسلم كان الطلاق يحسب واحدة، ولكي لا يتكلم الناس في الطلاق، ويبتعدوا عنه، جُعل أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الذي يتلفظ بالطلاق تحسب بالثلاث، لما لا تنتهج هذه النهج لكي نبعد الناس عنه، لو نقول هذا لا يجوز نستهين بالحكم، وقلنا بإيجازته نحكم بالطلاق.
الأستاذ الشيخ / محمد المدني :
هذا يعطينا فرصة طيبة، فمادام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمل عقوبة معينة وألزم الناس بأنه الطلاق الثلاث في لفظ واحد يقع طلاقًا ثلاثا مع أنه لم يكن يقع إلا واحدة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه وصفة علاجية من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لاحظ أنها تجدي، ولنا أن نحكم بالاجتهاد، وأن نفعل ما فعل عمر ولو لم يفعل خيرنا من قبل.
الأستاذ / أحمد فراج :
يعني لنا أن نتبع اجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا نتبع رأي الرسول صلى الله عليه وسلم .
س : الحقيقة بمناسبة قوانين الأحوال الشخصية التي نناقشها الآن، تكلم السادة الحاضرين بخصوص الزواج والفرقة. المسألة أصبحت كما أنه لو كان هناك عداء بين القوانين الحديثة والقوانين القديمة، ليس الأمر كذلك، أنا فهمت روح الإسلام، ونص الإسلام، وأرى أن الإسلام حريص تمامًا على تشجيع الناس على الزواج، وأنه حرص على تنفيرهم من الطلاق. إذن الأمر في روح الإسلام أن الزواج أصل، أما الطلاق فأمر طارئ، هو شيء مبغوض، مكروه بين الناس والله. الذي أريد أن أسأله الآن في الدقائق الباقية مسألة أن الإسلام الذي أعطى الرجل حق الطلاق، أعطى المرأة حق الفرقة كما قال فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد الشرباصي، ما سمعناه الآن عن مسألة الخلع فما هو الخلع ؟
الأستاذ / أحمد فراج :
هذا موضوع طويل.
الأستاذ الشيخ / أحمد الشرباصي :
نتكلم فقط عن ” الخلع ” لكي نناقش مدى صلاحيته لعصرنا الحاضر فأحيانًا لا تطيق الزوجة المعيشة مع زوجها، والرجل قد أنفق في المهر، وفي مقدمات الزواج، وهو لا يريد الطلاق، ولكن المرأة تريد الطلاق، فمن رحمة الإسلام بالمرأة لكي لا نرغمها على البقاء مع الرجل الذي لا تريد المعيشة معه، أن فتح لها باب الفرقة بأن تنفق معه على قدر من المال تدفعه إليه لكي يطلقها الرجل ويكون هذا طلاقًا على مال، كما يعبر الفقهاء، ومعنى الخلع إذن أن المرأة قد خلعت نفسها من الحياة الزوجية بما دفعته من مال.
س : تستطيع فرض الخلع ؟
الأستاذ الشيخ / أحمد الشرباصي :
لا تستطيع الزوجة أن تفرض الخلع على زوجها، ولكن أمامها الفرصة واسعة، لأننا قلنا: إذا أثبتت عيبًا في الزوج كان لها حق طلب الفسخ من ولي الأمر.
الأستاذ / أحمد فراج :
وقت البرنامج انتهى وإن شاء الله سوف نتكلم في الأسبوع القادم، هناك رسائل واحدة من السيد م.م. عبدالحميد وكيل النائب العام، ورسالة من مشاهدة، وبعض رسائل أخرى، نرجو إن شاء الله أن نجيب عليها في الحلقة القادمة.
يبقى أن نشكر فضيلة الأستاذ الشيخ محمد المدني عميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر، وفضيلة الأستاذ الشيخ أحمد الشرباصي الأستاذ بالأزهر الشريف، ونشكركم، ونرحب بأسئلة وتعليقات وآراء السادة المشاهدين، الموضوع القادم سيكون عن الحضانة، واعتقد يكون كافيًا تمامًا عن الموضوع، إن كان يجوز أن نعرض لبعض إجابات عن أسئلة تأتي لنا عن موضوع الطلاق والتعدد بجانب موضوع الحضانة.
شكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركات.