الأسرة والزواج والطلاق 8

حلقة نور على نور

المسجلة في مساء يوم الخميس الموافق 1/11/1962م

والتي أذيعت في الساعة 2.00 من مساء يوم الجمعة الموافق 9 نوفمبر 1962م

 

الأستاذ أحمد فراج:

سيداتي، وسادتي، السلام عليكم ورحمة الله، حتى الآن نناقش موضوع التعديلات التي تتجه النية إلى إدخالها في قوانين الأحوال الشخصية، ناقشنا موضوع تعدد الزوجات، وموضوع الطلاق، وكما قلنا قبل ذلك، كنا تناقشنا في موضوع التعديلات وليس في تفصيل الموضوع نفسه.

في هذه المرة نتكلم في موضوع الحضانة، فيه آراء كثيرة تتصل بجوانب هامة وأعتقد كما نعتقد جميعًا أن هذا الموضوع محل دراسة من اللجنة المشكلة الآن لدراسة قانون الأحوال الشخصية. في ضوء هذا الكلام نحاول أن نبحث بعض آراء المتخصصين في مسائل السن والمسائل الأخرى المتفرعة عن هذا الموضوع.

ويسعدنا أن يشترك معنا في ندوة اليوم الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور رئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وفضيلة الأستاذ الشيخ عبدالحليم سرور شيخ معهد بنها الديني.

في بداية البرنامج يمكن نستأذن أن نجيب إجابات سريعة على بعض رسائل منها رسالة من الطالب محمد فوزي يسأل عن موضوع التأمين على الحياة، وأعتقد أن هذا الموضوع من الموضوعات التي عرضنا لها عرض خاطف في ندوات سابقة، وكان كلام على ناحية المصلحة، كنا نعتقد أنه يحتاج إلى شيء من الدراسة تمهيدًا لمناقشته في برنامج نور على نور.

وهناك رسالة من شابة بخط الحبر الأخضر من السيدة إحسان، الموضوع الذي سألت عنه صاحبة الرسالة، فقد سألتُ بعض العلماء، فكانت إجابتهم أن رأي الشرع يحرم هذا الموضوع الذي تسأل عنه.

والرسالة التي أرجئت من الأسبوع الماضي هي بتوقيع الأستاذ م. م. عبدالحميد وكيل النيابة، وأعتقد أنه على قدر من الأهمية، باعتبار الموضوعات التي نتبادلها تركز الكلام الذي قلناه في الندوات الماضية عن الطلاق تقييده أمام القاضي، وأحب أن نعرض لها بسرعة، ونسمع الآراء فيها.

وهناك رسالة أيضًا من السيد م.م. عبدالحميد يقول : التشريع فيه نص يحقق خيرًا مطلقًا، يقابله في أغلب الأحيان تحقيق……….. من الحكمة ينظم تشريع ويصدر……..س إلا ……..، وتكاثرت القوانين إلى درجة لا حصر لها، اختصر كثيرًا من الرسالة لأن هناك ثلاثة صفحات ونصف الصفحة أرجو أن الاختصار لا ينقص من المعاني التي وردت في الرسالة، يقول أنه ما هو الشر الذي قد يحقق من قانون قد يحقق تعدد الزوجات، فضلاً عن الأسباب التي أبداها فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الغزالي تقريبًا………إنه ذكر مسألة الإحصاءات هي نسبة 30% في التعدد أن هذه النسبة حوالي 1% منها سوء استخدام الحق فيها، وعلى ذلك لا يستحق التشريع تبعة اللجوء إلى الحرام، لا يحمل شقة اللجوء إلى القاضي، إذ له مشاكله،……..وقته الضائع .. إلخ، أو ينتقل ……….أنه قد ينقضي عمر الرجل أو المرأة قبل أن ينفذ الحكم……… الحياة الزوجية.

النقطة الثانية يريد أن يربط فيها بيان موضوع التعدد وموضوع الطلاق، يقول إذا أردت أن تمنع التعدد لابد أن تمنع الطلاق، لابد ……….أخلاقيًا. وأعتقد أنه قصد تنظيم التعدد لأنه استعمل لفظ التنظيم قبل ذلك وباعتبار أنه وكيل نيابة نلتزم دقة التعبير الذي قاله، قال فيه إذا أردت أن تمنع التعدد لابد ولو تلقائيًا أن تمنع الطلاق إلا بأذن القاضي……… المانع الذي كان………يطلق الزوجة فأنت تمنع شر بشر إذا قيدنا الطلاق وقعنا فيما هو أدهى وأمر.

بعد ذلك يستطرد صاحب الرسالة، ويشير إلى نقطة إذا خيرت الزوجة الأولى أن تبقى أو تطلق ربما تختار أن تبقى في الغالب، في الآخر يقول إذا منعت التعدد أو قيدته بشرط أن يأذن القاضي في الذي ينتظر من وراء ذلك أن تمنع الرجل أن يقسم………… بين امرأتين هل…….هذا يمنع التعدد………كل ما يملكه بين زوجته نقدم بقية الرسالة، فإن هذا يحتاج إلى وقت طويل يشير في الآخر على أن انتشار التعليم، وانتشار الوعي كفيل بحبس هذه المضار في أضيق حدودها، لا داعي …….  الأوضاع الاجتماعية، التعليم…….. الشر اليسير الحالي ما لا يشكل خطرًا اجتماعيًا.

لو عرضنا الرسالة على فضيلة الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور [ ليسعدنا بالرد ] على النقطتين أو النقط التي ذكرها الأستاذ وكيل النيابة.

الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور :

في الواقع ما قاله الأستاذ م.م. اتجاه طيب أن كثرة التشريعات هذه قد تولد بعض النتائج التي قد لا تكون في جانب الخير، وناحية أخرى هو أن التشريع الذي يقدم فإنه لا يكون خيرًا مطلقًا، ولا شرًا مطلقًا، لكن المشرع حينما يهدف إلى سن تشريع، إنما كل الاجتهاد في أن يكون هذا التشريع مفيدًا للمجتمع الذي يعيش فيه، والذي يحيا بين بنيه، وما يكون فيه من نقص، فهذا يحاول مرة تلو الأخرى أن يقلل منه، وأن يباعد بينه وأن يتلافاه وأن يتجنب هذا النقص، وتلك المتاعب التي يجرها هذا التشريع ويظل كذلك حتى يرقى بالتشريع ويصل به صعدًا إلى درجات الكمال. إن كلامنا عن التعدد لم يفرق بين كلامنا وبين كلامك عن التعدد، غاية ما في الآمر أنك اتجهت إلى ناحية معينة، هذه الناحية المعينة أنك ذكرت محاولات منع التعدد وهو العدل في القسْم وليس عدل المحبة، وأحب أن أقول لك أن الأصل هو إباحة التعدد عند أمن العدل الذي يدخل في طوق البشر ويملكه الإنسان وإما ما لا يملكه ـ وهو العدل في الحب ـ فليس مكلفًا به وليس هو العدل الذي علق عليه إباحة التعدد، ومرجع تقدير العديل من عدمه إنما مرجعه إلى الإنسان نفسه، ولا يدخل تحت حكم قاض أو سلطان، أما إذا أثبت الجور بالنسبة لأحد الزوجات، فإن لها أن تطلب إلى القاضي تطليقها، وحينئذ يكون من عمل القانون الزجر والردع ثم يبعث كل واحد منهما بحكم من أهله لتقريب وجهات النظر، فإذا ما عز ذلك كان للقاضي أن يطلق عليه امرأته وذلكم هو الطوق الذي يمكن به تنظيم ما أسماه الناس مشكلة، ونحن معك من أن نشر الوعي، وعمق التعليم الديني، ومحو الأمية الدينية ودراسة النواحي الاجتماعية كلها شيء يساعدنا على تنظيم هذا التعدد.

نحن نتجه إلى التنظيم وهذا لا يمنع أيضًا أن نتفهم حدود التنظيم الذي يجب ألا يخرج عن نطاق ما حددته الشريعة الإسلامية، ونحن معك في أنه لابد أن تتعرف على آثار لنواحي الشر التي تترتب على التعدد حتى نضع لها العلاج النافع، وبهذا نتجه به اتجاهًا سليمًا يضمن تنفيذ ما جاءت به الشريعة الإسلامية على الوجه الصحيح وليس السوء في التشريع، ولكنه في التطبيق وسوء الاستعمال، فإن التعدد موجود وقائم في كل الشرائع، والإسلام لم يكن ينافي شريعة التعدد ولا متفردًا به، بل كذلك عرف التعدد في كثير من الشرائع السماوية، في شريعة إبراهيم، ويعقوب وداود وغيرهم، وحتى في دول أوربا التي ظلت تباشر التعدد إلى أن أشار بعض الناس على بعض الحكام أن يمسكوا واحدة كزوجة وتبقى الباقيات تحت اسم أخدان. فكان مما أساء للمجتمع الأوربي القديم حتى جاء الإسلام موافقًا لطبيعة البشر محققًا لأهداف المجتمع، ومن ثم وجب أن نعني دائمًا بأن نقلل من أخطاره حتى لا يكون شرًا على المجتمع بسوء التطبيق.

الأستاذ أحمد فراج :

بحيث أن التنظيم لا يأتي بشرٍ محقق.

 

الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور :

هذا ما قلته في صدر كلامي من أن المشرع حينما يضع تشريعًا يحاول أن يتحاشى شرورًا يمكن أن تكون، وهذا هو تشريع الحكيم الحميد العليم بحال عبيده، وما يضمن لهم سعادة الدنيا ونعيم الآخرة. ومع ذلك فإن التعدد في نظر الشريعة والأديان كلها إنما هو مخرج قوي من مشاكل تطرأ على المجتمع وعلى الذين يتمتعون بهذا التشريع.

الأستاذ أحمد فراج :

ننتقل الآن إلى موضوع الحضانة، في البداية يحسن أن نعرف ما هو معنى الحضانة، هل هذا الحق للصغير المحضون أو حق للحاضن ؟ ما الذي يترتب على هذه النظرة أو هذه الصورة.

نرجو من الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور أن يتفضل بالحديث في هذه النقطة.

الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور :

يجب أولاً أن نربط بين هذا الموضوع والموضوع السابق، موضوع الطلاق، إننا نجد أن مشاكل الأسرة دائمًا تتزايد وتتعقد نفسية النشء كلما اتسعنا في إيقاع الطلاق وأسأنا استعماله، ومن أبرز المشاكل التي تترتب على هذا هي إبعاد الأخوة بعضهم عن بعض، أو إبعاد الأولاد عن أحد الزوجين، مع أن سعادة الأولاد في أن يعيشوا جميعًا مع الأبوين في بيت واحد، وفي رعاية واحدة يتمتعون بحنان الأم وشفقتها، ورعاية الأب وتوجيهه، على كل حال أنه قد يحدث مثل هذا برغم بقاء عقد الزواج بين الزوجين أو لسبب من أسباب الفرقة الكثيرة. وهذا يقتضي منا وضع حدًا لهذا، ووضع نظام لملاحظة الصغار الذين حرموا من أن يعيشوا بين أبويهم تحت سقف واحد.

وهذا يعالجه موضوع الحضانة التي هي عبارة عن رعاية الصغار والحفاظ عليهم بالقدر الممكن ومراقبتهم وعلاجهم ولاشك مطلقًا أن الأبوين هما أقرب الناس إلى الصغار، وأقدر الناس على رعايتهم، وأن الله سبحانه وتعالى جعل من الخواص لكل واحد من الأبوين ما يمتاز به عن الآخر، ولهذا نجد أن جانب الأب أقدر على توجيه الأولاد وتثقيفهم والولاية عليهم وإدارة أموالهم، وأن ناحية الأمومة أقدر على توفير الحنان والعطف والشفقة والسهر على رعاية الصغار أكثر، ولهذا نجد أن الشارع جعل الولاية للأب على نفس الصغير وعلى أموال الصغير إن كان له مال، كما جعل له أيضًا الحق في الإشراف عليه من ناحية التوجيه العلمي وتثقيفه، وفي نفس الوقت جعل للأم لما توافر لها من الحنان والشفقة وما لها من القدرة على السهر والصبر على تحمل المشاق بالنسبة للصغار جعل لها حق الحضانة، ويكاد الفقهاء جميعًا يتفقون على أن الحضانة حق للأم في بداية حياة الصغير، لا يجادل في ذلك أحد مطلقًا لما توافر لها من نواحي الحنان والشفقة التي ذكرناها، وبذا يكون جميع هؤلاء الصغار الذين حرموا من المعيشة مع الأبوين في بيت واحد، قد تحقق لهم جانب الرعاية والإدارة المالية من ناحية الأب، وجانب الشفقة والحنان والرحمة من ناحية الأم، ولا نستطيع أن نقول أن الأب يعادل الأم في ناحية الحنان والرحمة والقدرة على السهر عليهم والصبر على أمورهم لأن الأب أيضًا إذا افترضنا أنه أسند إليه شيء من ذلك فإنه يدفع الصغير إلى امرأة أخرى هي أمه أو إحدى قريباته أو زوجته الأخرى، لأنه لا يستطيع القيام بذلك العبء والذي يدل على أن الأم هي التي تمتاز بهذه الناحية أولا ومن بعدها من الحاضنات ما روته لنا السنة أن امرأة ذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعها ابنها، وقالت له يا رسول الله هذا ابني كانت بطني له وعاء وكان ثدي له سقاء وكان حجري له حواء، وقد طلقني والد الصغير، وأراد أن ينزع مني الصغير فأمرها الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تأخذ الولد، وفي الأخبار المشهورة الحادثة التي عرضت على أبي بكر الصديق الخليفة حينما جاء له عمر بن الخطاب ومعه مطلقته أم عاصم شازعنان حضانة عاصم الصغير ابنه فقال أبو بكر لعمر يا عمر ريحها ومسها ولطفها خير له منك يا عمر وأمر بالصغير لأمه.

وبعد أن بينا فكرة الحضانة، وسببها ننتقل للنقطة التي تكلم عنها الأستاذ أحمد فراج من أن الحضانة حق للصغير بطبيعته أو حق للأم ؟ الواقع أن الفقهاء تكلموا في هذه المسألة واختلفت آراؤهم فمنهم من يرى أن ذلك حق للصغير يلاحظ فيه حق الصغير أولا ويرتبون على ذلك أن الحاضنة تجبر على حضانة الصغير فإذا تنازلت عن هذه الحضانة فلا تملك أن تتنازل، وفريق يرى أن هذا الحق حق الحاضنة نفسها أو الحاضن أيًا كان وليس بحق الصغير، ويترتب على هذا أن مَنْ له الحضانة يملك أن يتنازل عن هذه الحضانة، والحق أننا إذا ما وقعنا في هذين الرأيين لرجحنا ما ذهب إليه، فريق ثالث من الفقهاء يرون أن الحضانة حق مشترك بين الصغير وبين الحاضن بمعنى أن حق الحضانة يجتمع فيه الحقان : حق الصغير وحق الحاضن، والدليل على ذلك أن الذين يقولون أنه حق الصغير فتجبر الحاضنة على الحضانة، ولا تملك أن تتنازل، يقيدون هذا بما إذا كان لا يوجد من يخلفها في  الحضانة، فإذا كان الصغير يضيع لعدم وجود حاضنة أخرى فهم يقررون أن الحاضنة تجبر على الحضانة، إلا فإذا لم تتعين هي لحضانته كانت الحضانة لمن تخلفها، والفريق الثاني يرى أن الحضانة حق للحاضنة نفسها وقالوا بجواز التنازل عنها. وإذا ما نظرنا إلى رأيهم أيضًا لوجدناهم يقررون أن هذا التنازل مشروط بوجود حاضنة أخرى ترى الصغير وتسهر عليه عند الانعدام فتتعين الحضانة للصغير.

وعلى هذا فإنه يتعين على من تثبت لها الحضانة إذا لم يوجد غيرها أو وجد، وكان الأب أو المحضون لا مال لهما، ولا توجد من تحضنه إلا بأجر فإنه مراعاة لحق الصغير تجبر أقرب الصالحات للحضانة على حضانته، كما أنه يقبل تنازل أقرب الحاضنات عن الحضانة مراعاة لحقها إذا وجد من يحضن الصغير سواها.

ولذا فلو خالفت الأم زوجها على أن تترك له الصغير فإن الخلع يصح ويترتب عليه أثره من فسخ أو طلاق، ولكن يبطل الشرط مراعاة لحق الصغير، وحق للمخالعة أن تحتفط به إذا كان في يدها أو تطالب به إذا كان في يد الأب، وكذا لو تصالحت مع الأب على أن تترك له الصغير أو تصالح الأب مع الأم على بقاء الصغير معها إلى ما بعد سن الحضانة فإن الصلح غير ملزم ومن حقها أن تطلب منه الصغير، ومن حقه أن ينتزعه منها عند بلوغه سن الحضانة، ومراعاة لحق الصغير يجبر كل منهما على ذلك إذا كان في ذلك مصلحته.

والذي اعتقده أن الحضانة فيها حق كل من المحضون والحاضن وحق المحضون هو الغالب لأن أساس الحضانة ومضار أحكامها في الواقع تدور حول تحقيق مصلحة الصغير لا جدال في ذلك بين الفقهاء، وكل ما في الأمر أن بهذا الحق لا يتعلق بحاضنة بعينها إذا تعددت الحاضنات. هنا يبدأ ظهور حق الحاضنة. أما إذا لم يوجد ممن يصلح لحضانته سوى أمه أو جدته أو خالته فإنه يتعين عليها الحضانة وتجبر على ذلك.

أخلص من هذا أن حق الصغير لا يتعين لحاضنة بذاتها إنما يتعين أن يحضن وأن ترعاه من يتوافر عندها الشفقة والحنان بالنسبة له، فإذا ما تعددت الحاضنات وكانوا أكثر من حاضنة هنا يبدأ ظهور حق الحاضنة، وهنا تملك تنازل إحدى الحاضنات لتوفر حضانة الصغير.

الأستاذ أحمد فراج :

لو استطعنا بعد هذا نشرح الشروط التي ينبغي توافرها في الحاضنة، نرجو فضيلة الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور أن يتفضل بالحديث في هذه النقطة.

الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور :

الحضانة كما بينتم لها وضع خاص في تكوين الطفل، وفي تكوين هذا الصغير الذي سيكون المجتمع أو الجيل الجديد الذي تقوم عليه الأمة، ونظريتنا إلى هذه الناحية توضح لنا معنى جديد في الحديث الشريف الذي استمعتم إليه، وهو أن امرأة جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وحدثته بما استمعتم إليه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لها أنت أحق بولدك، كان هذا بيانًا قويًا ودليلاً واضحًا على أن الحضانة في مطلع حياة الطفل ومشرقها لابد أن تسند إلى جانب معين هو جانب النساء لوفور شفقتهن وصبرهن، لأن النساء أقدر على تمكين الطفل من معاني الشفقة والحنان ومعاني العطف الطيب وكل المعاني التي يمكن أن يعيش فيها الطفل في جو عاطفي جميل يبدد سحب المتاعب التي قد تحلق في سماء الطفولة البريئة، من أجل ذلك كان بادئ ذي بدء إلى النساء لوفور شفقتهن ولخبرتهن بشئون الطفل وقدرتهم على تفهم ما يهوى ويريد. ولذا فقد وضعت الحضانة شروط ينبغي أن تتوافر لتحقق الحضانة المقصود منها، ونحن نجملها فيما يأتي :

  • أن يكون الحاضن عاقلاً ذكرًا كان أم أنثى، وذلك بأن تتوافر له قوة التفكير السليم، وحسن التدبير، لأنه لو كان مجنونًا أو مضطرب التفكير فهو في حاجة إلى من يحتضنه، ويرعى شئونه ويسلك به سلوكًا مستقيمًا، فإذا ما افتقد العقل سقط حقه في الحضانة، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه غيره، وأيضًا قد يخاف على الطفل من الحاضن المجنون.
  • أن يكون الحاضن بالغًا، إذ أنه لو كان صغيرًا لا يحسن القيام بمهمته ولا يؤديها على الوجه الأكمل، ذلكم لأنها مهمة تحتاج إلى فهم ووعي وقوة إدراك، وهو بوصف كونه صغيرًا يحتاج إلى من يدبر أمره ويرعى شئونه فكيف يستطيع أن يحتضن الصغير ؟
  • ومن شروط الحضانة الحرية، ولن نعرض لها الآن فقد سد باب الرق، أو كاد، فقد تقطعت أسبابه وزالت مقتضياته.
  • ومن أهم شروط الحضانة القدرة على تمكين الطفل من أن يحيا حياة طيبة كريمة، وهذه القدرة قد تتحقق بالحاضن مباشرة، وذلك عندما يكون سليمًا خاليًا من المعوقات الصحية والبدنية، فأما إن كانت كفيفة أو مريضة مرضًا مزمنًا أو معديًا مما يمنعها من التمكن من أداء مهمتها، فإن حق الحضانة يسقط إلا إذا قام الحاضن باستئجار من يقوم بخدمته وتحت إشرافه ورعايته فإن عنصر العاطفة والحنان سيتحقق متضمنًا إلى القيام بالواجب المفروض، وبذا تكتمل مقومات الحضانة فيستقيم الأمر ويتحقق الغرض والقاعدة التي يجب أن نؤكدها من حقق مصلحة الطفل واستطاع أن يدفع عنه المضار كانت الحضانة له دون غيره.
  • ألا تتزوج الحاضنة بأجنبي.
  • أن تكون أمينة عليه، وسنحدد مدى أمانتها عليه وكيف تكون.
  • ألا تكون مرتدة عن الدين الإسلامي يعني ألا تكون قد خرجت منه إلى دين آخر، فإن الدين عند الله الإسلام.
  • ألا تقيم في بيت من يبغضه الطفل لأن إقامته مع من يبغضه إلحاق للضرر به عن طريق تعقيد نفسه، وإبراز معالم السوء أمامه، وتربيته على الحقد والبغض للمجتمع.
  • ويشترط التفرغ الذي يمكنها من قدرتها على تحقيق أهداف الحضانة بحيث تجعل الحاضنة كل همها تنشئة هذا الطفل التنشئة المعقولة التي نريدها لأبناء الجيل، ولعل انشغالها حتى بأمر زوج أجنبي عن الطفل هو الذي يسقط حقها في الحضانة، فإن لم يمكن التفرغ بأن كانت المرأة عاملة في مكان توسم فيه بالاستهتار وكانت تقضي أغلب أوقاتها خارج منزلها متسلية بلهو تباشره أو كانت كثيرة الغياب بما يصرفها عن شئون أولادها أو مباشرة من يقوم على شئون الأولاد بحيث يخشى عليهم الضياع أو لحوق الضرر بهم.

ولما كان الطفل عماد المستقبل ودعامة الجيل عنيت الشريعة به، فلم تجعله هملاً وإنما جعلته هدفًا ومقصودًا، ولذا حرصت على أن تجعله مع أمين يحبب إليه طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ليغرس في نفسه حب المثل الصالحة، ويشب على الفضيلة وبذا نبني جيلاً صالحًا يؤمن بربه ويحب وطنه ويرعى مصالحه، بعيدًا عن التعقيد الذي قد يعطل انطلاقه أو يقف به عن السعي وراء الخير.

ولذا فإننا نحرص على أن تكون الحاضنة في مطلع حياة الطفل ذات أمانه، وأمانتها أن تكون حريصة على أن تفرغ نفسها، وأن تفرغ ما في قلبها لمجهودًا تترجمه للطفل ليحيا حياة وديعة هادئة.

وأحب أن أنبه إلى أن الشرط الذي شرطته الشريعة بألا تكون الحاضنة مرتدة عن الإسلام كما سبق إنما هو من صالح الطفل أيضًا، ذلكم أن الحكم في  المرتد عن الإسلام أن يحبس حتى يعود إلى الإسلام، ولاشك أن الحبس مانع عن مباشرة حقوق الحضانة، ولذا كانت الدرة مسقطة لهذا الحق، فإذا اكتملت هذه الشروط كلها،و كانت الحاضنة قادرة على تحقيق هدف الحضانة في رعاية وحرص على التنشأة في حنان وفي رفق وفي يد طيبة، وعين ساهرة وحنو بالغ طيب فإن الحضانة تبقى معها.

وهي أولاً إلى النساء لأنهن أقدر على تحقيق مقصود الحضانة من الرجال، إذ أنهن أوثق بالصغير وأكثر معرفة بشئون تغذيته وتنويمه والعمل على راحته.

ولما كانت الأم هي التي تستطيع أن تبقى على بنتها وأن تتعرف وأن تقف على مكنون أمرها، كما أن البنت تستطيع أن تكاشفها بما تحتاج إليه مما لا تستطيع أن تكاشف به أباها، فقد ذكر في  المدونة للإمام مالك رضي الله عنه أن الأم أحق بالولد مطلقًا ما لم يبلغ سواء كان ذكرًا أم أنثى، فإن كان قد بلغ وهو أنثى ننظر، فإن كانت الأم أمينة عليها بعيدة عن منابع الفساد ومنابت السوء بأن كانت في حضانة قوية ترعى ربها وترقبه فيها فهي في حضانتها أبدًا ما لم تتزوج حتى ولو بلغت البنت أربعين سنة تحقيقًا للغرض الذي ذكرنا وللهدف الذي بينا.

ولذا فإنه لو لم تكن الأم ممن لا يرجي منهن ذلك بل كانت غير مبالية ببيتها وإنما تترك أولادها للخدم وسوئهم من غير ما رعاية ولا إشراف فإن الحضانة تسقط عنها، وذكر الإمام الليث بن سعد رضي الله عنه أن الأم أحق ببنتها ما لم تبلغ، فإن لم تكن الأم مأمونة عليها أخذت منها بمجرد البلوغ، ولعل أبا حنيفة رضي الله عنه يقرب في رأيه من ذلك فيجعل البنت مع الأم أو الجدة حتى تحيض، وأما عند الحنابلة فقد جاء في رواية إسحاق بن منصور عن الإمام أحمد أنه يقضي بالبنت للأم أو الخالة حتى إذا احتاجت إلى التزويج فالأب أحق بها، وهكذا نرى تضافرًا من أغلبية من الأئمة على إعطاء الأم الحق الكبير والوقت الواسع في حضانة بنتها لتستطيع أن تقيم من شأنها، وتهذب من وجدانها، فإن استقام هذا الأمر فبها وإلا كانت الضرورة ماسة إلى إعطائها لأبيها ليتولى رعايتها والعناية بشأن تزويجها ما لم يكن في وجودها عند أبيها إيذاء لها وإلحاق للضرر بها، والقاعدة التي نود أن نؤكدها دائمًا أنه كلما كان وجودها عند أحد الجانبين لا يحقق لها ضررًا كانت عنده.

ومالك رضي الله عنه يؤكد هذا المعنى ويراه محققًا في الأم بالنسبة للولد فيجعله عند أمه ما لم يبلغ وللأب أن يتعهده بالتأديب والتهذيب وتعويده عادات الرجال، ومع ذلك فإنه يشترط أن يبيت مع أمه تلمسًا لحنانها إذ أنها هي التي تحقق له رغباته وحاجياته، والراوية الثالثة للأمام أحمد رضي الله عنه، ترى أن الأم أحق بالولد ما لم يبلغ كمذهب الإمام مالك.

وأما الإمام أبو حنيفة فإنه يرى أن الأم أحق بالولد حتى يستغنى عنها بأن يأكل وحده، ويلبس ويتوضأ وحده، ولدًا كان أم بنتًا، ولم يقدروا لذلك سنًا معينة، ولكن الاجتهاد هو الذي أدى إلى التقدير بسبع سنين للود وتسع للبنت، إلا إذا رأى القاضي مصلحة في التأجيل فيبقيه مع أمه مدة لا تتجاوز العامين بالنسبة للولد والبنت، والمصلحة حيث كانت كان الحكم تابعًا لها، والله المستعان.

الأستاذ أحمد فراج :

في الواقع تركنا نقطتين:

الأولى تتصل بالشروط، ويمكن فضيلة الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور قد بدأ بالحديث عن موضوع السن، وأرى أن وقت البرنامج باق منه ربع ساعة أو أكثر، ففيما يتصل بالشروط التي يجب توافرها في الحاضنة هناك عدة نقاط، وهي : ألا تكون الحاضنة كفيفة، أو مريضة مرضًا معد يمنعها من الإشراف على الطفلة أو العناية بها، أما موضوع التفرغ فهو يحتاج إلى شيء من الدراسة، وفضيلة الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور قال إن كانت الحاضنة موظفة أو غير موظفة أو شيء من هذا القبيل، المجتمع ملئ بالنماذج التي تعمل فيها المرأة، فهل المقصود بالتفرغ هو عدم الشغل أو العمل أو أن هناك نوعًا معينًا من العمل لا يمنعها من الإشراف على مباشرة الصغير، ثانيًا : مسألة السن الآن، وبين أيدينا موضوع التفرغ وموضوع السن نسمع رأيكم، والرأي فيه إلى فضيلة الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور.

الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور :

إنما قصدت من التفرغ تمكن المرأة الحاضنة من إيصال الشفقة المقصودة وتوفير المصلحة للطفل وإيصال النفع إلى أولادها من غير أن تلحق بهم ضررًا في بدنهم أو في نفسهم أو تفكيرهم، فإن كانت مدرسة أو عاملة في مصنع أو أي مكان واستطاعت أن توصل هذه المعاني أو هذا الحنو إلى أولادها وهي في مصنعها تباشر عملها وتحقق النفع المقصود من الحضانة، فإنها الحاضنة التي تستطيع أن تقوم بدورها على الوجه الأكمل الصحيح، إنما الذي قصدت إليه من ضرورة التفرغ إنما هو التفرغ الذي لا يجعلها تنطلق انطلاقًا بقطع الحنان الذي بينها وبين طفلها بانشغالها في أعماق أخرى بحيث يكثر خروجها من منزلها من غير ما حاجة ماسة ولا عمل ملح ولا كسب لعيش حلال، وإنما يكون خروجها العابث المنصرف عن مهمته وتأدية رسالته، وبحيث تهمل أولادها مما يخاف معه لحوق الضرر بهم فمثلها لا تكون متفرغة. وهذا ما قصدت، أما المدرسة والمهندسة والطبيبة والمحامية والعاملة منهن بعلمهن وأدبهن قادرات على تهيئة الطفل للحياة الطيبة المثالية عن طريق الإشراف والتوجيه لمن يحتضن هؤلاء الأطفال وخاصة وقد عنيت الدولة الآن بإنشاء دور الحضانة يربى فيها الأطفال ويحيون حياة هنيئة، وأن يربوا تربية فاضلة مثالية كاملة، هذا ما قصدت أن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.

الأستاذ أحمد فراج :

النقطة التي تعرض لها فضيلة الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور كانت تتصل بموضوع السن، ويمكن جاء ضمنًا رأي معين في أن البنت تبقى فترة أطول، لا أدخل في التفاصيل، إذا أردتم توجيه أسئلة لا مانع من مناقشتها :

سؤال:

من الشروط المطلوبة لحضانة الطفل أو الطفلة أن تتوفر الكفاية والعدالة، يقول السيد الرئيس رائد القومية العربية جمال عبدالناصر أن مجتمعًا جديدًا يستكمل ملامحه الأساسية، وليكون مبعث العزة والكرامة لكل فرد فيه، ليكون لهم جميعًا حق ثابت في الكفاية، والعدل، وهناك حديث للرسول صلى الله عليه وسلم معناه أنه ذهبت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت له من أحق بالرعاية يا رسول الله قال ” أمك ” ثم من، قال ” أمك ” ثم من، قال ” أمك ” ثم من، ” قال أبوك “، إني أؤيد فضيلة الشيخ الذي أشار إلى أن تكون الحاضنة الأم، أرى أن تكون السن من 3 شهور حتى سن 12 سنة.

الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور :

89 يومًا ستكون في حضانة من، الأصح من حين يولد.

الأستاذ أحمد فراج :

في الواقع …..

سؤال:

علمنا أن النية قد اتجهت إلى تعديل قوانين الأحوال الشخصية برفع سن الحضانة بالنسبة للولد من 9 إلى 11 سنة وبالنسبة للبنت من 11 إلى 14 سنة، فهل استند هذا إلى نص شرعي أو حديث أو دليل من الكتاب أو السنة.

الأستاذ أحمد فراج :

السائل يقصد أن يستفسر عن الدليل الفقهي الذي تستند إليه اللجنة إذا كان هناك اتجاه لرفع سن الحضانة، ونرجو الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور أن يتفضل بالإجابة عن هذا السؤال.

الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور :

أولاً : إن لجنة الأحوال الشخصية عملها سري، ولا نعرف إذا كانت هذه المسألة نظرتها اللجنة أم لم تصل إليها، وإذا كانت نظرتها بالأولى لا نعرف ما اتجهت إليه، ولا نستطيع أن نتكهن به، ولكننا نستطيع أن نجيب على السائل ونتناول المسألة من ناحية الفقه. الفقهاء جميعًا يتفقون على أن الحضانة واجبة للأم لأن الصغير عاش معها في أحشائها فترة طويلة، جزء منها يتحرك بحركتها ويتغذى منها قبل أن يرى النور في الحياة فهي أحق به، واتفقوا جميعًا على أنه يبقى مع الأم في  الفترة قبل سن السابعة واختلفوا فيما بعد ذلك، كما اختلفوا في الشروط.

يقول الشافعية أن للصغير ـ ذكرًا كان أو أنثى ـ الخيار في البقاء مع الحاضنة أو الانتقال إلى الأب بعد سن السابعة.

ويقولون إذا كان الصغير ذكرًا واختار الحياة مع الأم يبقى معها ليلاً ويذهب إلى الأب نهارًا ليتولى تربيته وتثقيفه من الناحية التعليمية.

وأما إذا كانت الصغيرة بنتًا تبقى مع أمها ليلاً ونهارًا لأنها في حاجة إلى رعاية الأم وإرشادها وخاصة في هذه الفترة، وقالوا إذا سكت الصغير ولم يختر أعطى للأم واستدلوا بما روى من أن امرأة جاءت للرسول صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله : إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد نفعني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للغلام هذا أبوك، وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت “، فأخذ بيد أمه فانطلقت به.

ونقل عن الحنابلة ذلك بالنسبة للغلام غير أنهم اشترطوا أن لا يعلم أنه اختار أحدهما لتساهله وإلا فإنه يجبر على البقاء عند الأصلح، وبالنسبة للفتاة روى عنهم أنها لا تخير إنما يأخذها الأب لأنها قاربت الصلاحية للزواج فتشتهى، ومن مصلحتها أن تخطب من أبيها، وهو أقدر على التعرف على الخاطب، والنظر في كفاءته.

ومن التعليل يبين أن الحكم بالضم أساسه إنها أصبحت في سن يمكنها من أن تزوج فيه، فإذا اتفقت هذه، وكانت القوانين تمنع ذلك، فالقاعدة تقضي بتغير الحكم تبعًا لتغير علته، هذا فضلاً عن أني قرأت ـ فيما أذكر ـ أن هناك رأيًا آخر لابن حنبل بأنها تخير بعد سن التاسعة أو سن البلوغ.

والمذهب الحنفي على بقاء الصغير في الحضانة إلى سن السابعة والصغيرة إلى سنة التاسعة، وهناك رأي آخر في المذهب أخذ من طريق الاستحسان ببقاء الصغير في الحضانة إلى التاسعة والصغيرة إلى الحادية عشرة، ورؤى عن الإمام أبي حنيفة نفسه أن الفتاة تبقى في حضانة أمها حتى تحيض أو تزوج.

والقانون المصري المطبق حاليًا أخذ من المذهب الحنفي باعتبار أن أساس سن الحضانة للصغير سبع سنوات وللصغيرة تسع سنوات وجعل للقاضي الحق بعد ذلك في إبقاء الصغير أو الصغيرة في حضانة الأم لمدة سنتين أي التاسعة بالنسبة للصغير جوازًا، وإلى الحادية عشرة بالنسبة للفتاة جوازًا.

والمذهب المالكي يرى بقاء الصغير مع أمه حتى يشتهي أو يبلغ دون تخيير، وبقاء الصغيرة حتى تزوج، ويدخل بها الزوج لأنها في حاجة إلى التعرف على كثير مما يجد عليها في حياتها عند فترة البلوغ، وعند الزواج والدخول، وأقرب الناس إليها لتتعرف منهم ما طرأ على جسمها من تغيير هي أمها فهي التي ترشدها عن ما يوجب الطهر وما لا يوجبه وتنبئها عن آداب معاشرة الزوج، ولا ينبغي أن تنزع من حضانة أمها في فترة هي أحوج ما تكون إليها فيها.

وأما الظاهرية وهم مذهب من مذاهب أهل السنة فإنهم يرون أن الصغير سواء أكان ذكرًا أم أنثى يبقى في حضانة أمه إلى أن يبلغ الحلم صحيحًا معافًا، فإذا بلغ الحلم وكان مريضًا أو سقيمًا في حضانة الأم حتى يزول المرض.

بل أكثر من ذلك الحنابلة أنفسهم يقولون : إذا كان الصغير بعد أن ضم إلى الأب قد تجاوز سن الحضانة ومرض يجب أن يعاد إلى حضانة الأم لتمرضه في بيتها هي لا بيت الأب.

مما عرضنا من أقوال الفقهاء نجد أن أحكام الفقه الإسلامي بجملة مذاهبه يمكن أن تتسع لرفع سن حضانة الصغار عند الأم ما دامت مصلحتهم في ذلك، ولا يوجد ما يقتضي إسقاط الحضانة، ويا حبذا لو فرقنا بين حضانة الأم والجدة وحضانة غيرهم، وبين ما إذا كان الصغير سينتقل إلى أب متزوج أو أعمام مثلاً ويبين للقاضي أن المصلحة في غير هذا، ويا حبذا أيضًا لو وضعنا نصا مرنًا يجعل القاضي في سعة فيقضي بما يحقق المصلحة.

وأقترح على اللجنة عند نظر مسألة سن الحضانة أن تضع مادة على الوجه الآتي:

  • للقاضي أن يأذن بحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى البلوغ وللصغيرة بعد تسع سنين إلى الزواج والدخول إذا تبين أم مصلحتهما تقتضي ذلك.
  • للأب أو لمن له الولاية على الصغير تعهد المحضون بالتأديب والتعليم في مدة الحضانة.
  • لا أجر على الحضانة بعد سن السابعة للصغير والتاسعة للصغيرة.

وأعتقد لو عملنا بهذا التشريع نحل كثيرًا من المشاكل فلا يضار الزوج من دفع أجر الحضانة، ولا تضار الزوجة من الحرمان من الصغير، ويبقى الأولاد في رعاية الأبوين بعيدين عن الهزات النفسية التي تعتريهم وهم في سن لا يدركون معه الحيلة ولا يستطيعون وقاية أنفسهم مما يدبر لهم، ولا الاستقلال بالعيش.

الأستاذ أحمد فراج :

أوضح نقطة قالها الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور فيما يتصل بأن نأخذ بمذهب الإمام مالك، في هذه النقطة بالذات ذكرت سيادتكم أنه يصح الأخذ به بما يتفق والمصلحة.

الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور :

أرى في هذه الجزئية أن مذهب الإمام مالك يتفق مع مصلحة البلد في هذا البلد.

الأستاذ أحمد فراج :

فضيلة الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور له تعقيب.

الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور :

أحب أن اطمئن أخي الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور إلى أن هذا ليس مذهب الإمام مالك فحسب بل كثرة كبيرة من المذاهب تتجه إلى ناحية البقاء حتى البلوغ أو الإبقاء حتى الزواج، وقد بينت ذلك وفصلته تفصيلاً، وهو ما يطمئن أن اللجنة التشريعية أو المشرعين الذين سيضعون هذا القانون، حينما يضعون هذه المادة التي يقترحها أخي الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور إنما يستقون هذا من منابع الشريعة الواضحة، بل إنه جاء هذا واضحًا في مختصر فتاوى الإمام ابن تيمية صفحة 613، وفي ملخص الفتاوى جاءت روايات متعددة، رواية الإمام مالك وأحمد بن حنبل، والإمام الليثي، وظاهر الرواية عن الإمام أبي حنيفة ذكرت، وكررت وعزيت إلى الصاحبين.

فنحن في اطمئنان واضح في أن إبقاء البنت مع أمها يكون أكثر فائدة، إلا إذا انصرفت الأم عن مهمتها كما قدمنا، فأما الأم فما دامت ترضى ربها ثم نفسها، وترضي كفايتها، وترضي أولادها.

الأستاذ أحمد فراج :

نظرًا لأن وقت البرنامج انتهى، أعتقد أننا انتهينا من اقتراح الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور، وفضيلة الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور، وهذا الاقتراح معروض عليكم للدراسة وإبداء الرأي فيه، وبالنسبة للسادة المشاهدين الذين يريدون أن يرسلوا الآراء وتعقيباتهم، عنن مسألة الحضانة، [ وقد يكون للموضوع تعقيب ]، نحن نرحب بأسئلتهم، وبحضورهم الندوة التالية.

في النهاية نشكر الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور رئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وفضيلة الأستاذ الشيخ عبدالحكيم سرور شيخ معهد بنها الديني، ونلتقي في الحلقة القادمة، في الأسبوع القادم، شكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *