الطـــلاق
أ.د. عبلة محمد الكحلاوي
أ.د. محمود بلال مهران
أ. أحمد فراج :
بسم الله الرحمن الرحيم، أيها السادة .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. في سلسلة من الحلقات التي قدمناها في البرنامج تكلمنا عن موضوع الطلاق بدأ من حرص الإسلام على كيان الأسرة أولاً، ووضع الضمانات الكفيلة بالمودة والسكن والرحمة، من خلال حسن الاختيار، ومن خلال حسن الاختيار، ومن خلال تقرير الحقوق والواجبات المتبادلة والدولة بحسن المعاشرة ثم رأينا كيف يتتبع الإسلام الخلافات منذ اللحظة الأولى عندما تتحرك مشاعر الرجل ويظن أن قد أصيب بخيبة أمل ونوع من الكراهية يدخل إلى قلبه، فيتدخل الإسلام [ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ” لا يفرق مؤمنًا مؤمنة إن كره منها خُلقًا رضي منها غيره “، ثم تعرضنا كيف يضع الإسلام القواعد عندما يكون الخطأ ناحية الزوج، أو من ناحية الزوجة أو من الاثنين معًا، أي أن هناك عملية وقاية أو توخي الحذر في أن يقع بينهما أي مكروه، ثم وصلنا إلى استحالة كل هذه الأمور وحدث طلاق ووجدنا القيوم التي تتم على الطلاق، كطلاق السكران والغضبان والبدعي والسني وشرحنا كل هذه الأمور، ثم تكلمنا عن بعض الصور التي قد تكون تمارس لكن ليس معلوم عند كثير من الناس ما هي القواعد التي تستند إليها مثل الزوج الذي يحلف ألا يقرب أهله مد طويلة لا يحددها أو لمدة يحددها، ورأينا موضوع الإلاء في قوله تعالى [ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ]، كل هذه الصور عرضنا لها وقلنا أن نقل عند الحديث الذي يضعنا أمام الآثار المترتبة على الطلاق.
ويسعدنا أيها السادة أن نستضيف في هذه الحلقة أ.د. عبلة محمد الكحلاوي عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر فرع بور سعيد، وأ.د. محمود بلال مهران أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة.
النقطة الأولى التي سوف نتحدث بها تتعلق بالآثار المترتبة على الطلاق، أ.د. محمود بلال مهران، تفضل.
أ.د. محمود بلال مهران :
بسم الله الرحمن الرحيم، الآثار المترتبة على الطلاق إذا تم الطلاق بين الزوجين سواء وقع عن طريق الزوج أن طريق الاتفاق بينهما وهو ما يسمى بالخلع، أو عن طريق حكم القضاء، هذه الآثار منها ما يعتبر واجب على الزوجة، ومنها ما يعتبر حق لها، فالواجب يتمثل في العدة لها ما يوصف بالمهر ومؤخر الصداق والنفقة، ومنها أيضًا حق السكن والميراث،و لكن في بعض الحالات كأن يتوفى الزوج في العدة، أو أن يكون طلاقًا بائنًا في عرض الموت بقصد حرمانها من الميراث، ففي هاتين الحالتين ترث على تفسير الفقهاء.
أ. أحمد فراج :
نحن سنبدأ بأنواع العدة.
د. محمود بلال مهران :
هي عبارة عن فترة زمنية تمكثها الزوجة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها، أو في حالة الفسخ إذا كان عقد الزوج عقدًا فاسدًا، المهم تمكث هذه المدة بدون زواج وهذا حق من حقوق الله تعالى عليها وواجب عليها شرعًا، وإلا فإنها تكون آثمة، وكان هناك دلائل على العدة في القرآن فعدة المتوفي عنها زوجها يقول الله سبحانه وتعالى [ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ] إن كانت غير حامل، أما إن كانت حامل فعدتها بوضع الحمل، أو بالنسبة للمطلقة فينظر إذا كانت حامل أو غير حامل، فعدتها في الحمل بوضعه، أما إن كانت غير ذلك فهي تنتظر ثلاثة دورات شهرية، أما إن كانت ممن لا تحيض إما بسبب أو لكبر، ففي هذه الحالة تكون عدتها بثلاثة أشهر فهذه أنواع العدة ودليل مشروعيتها.
أ. أحمد فراج :
بعدما تفضل أ.د. محمود بلال، لو وقفنا مع أ.د. عبلة الكحلاوي عند الحكمة من موضوع العدة، بالنسبة لجميع الحالات.
د. عبلة محمد الكحلاوي :
بسم الله الرحمن الرحيم، الإنسان مهما بلغ من عبقرية، لا يمكن أن يصل في فهمه إلا بنسبة معينة يحكمها طابع الزمان والمكان، وخاصة لفهمه للقرآن وفحواه المطلق، ولكن على قدر سأذكر ما هي الإشرافات التي قد يدركها كل مؤمن، لا يمكن أن يفقه بالمأمورات أو المنهيات التي جاء بها الحق جل وعلا، أقول هذا لأن هناك من يأتي بفتاوى قاصرة دون فهم واعٍ، فهم يأخذون جزءًا صعرًا من حكمة العدة ولا يتطرقون للأجزاء الأخرى وكان هناك مؤتمر بإحدى الدول العربية يطالب بإلغاء العدة، لأن الآن يوجد أجهزة حديثة مثل السونار يمكنها معرفة هل هناك حمل أم لا وبالتالي فليس هناك داعي لهذه المدة، ونحن نقول أن هذه الأجهزة لو تحتمل نسبة واحد بالمائة خطأ فلا تستطيع أن نعول عليها بهذه الصورة، وهذا الأمر فرضه الله ومادام فرض فلا نستطيع إلا التنفيذ، إذن فبراءة الرحم جزء من حكمة مشروعية العدة لكن هناك حق الزوج في مراجعة زوجته في أن يستشعر في كم تهور في فعلته، وفي أثناء العدة يراجع نفسه، وكذلك أمرنا الله ألا تفارق بيتها
[ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ] أمر الأزواج [ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ] فقد يمرض الولد، وقد تراجع المرأة نفسها في تلك الفترة، وأنا قرأت مقالة مترجمة تقول فيها الدكتورة صاحبة المقالة، وهي تنصح بعدة المعاشرة مع رجلين في فترة معينة والعياذ بالله لأن هذا يؤدي في أغلب الأحيان إلى سرطان الرحم، لأن الجهاز التناسلي للمرأة يعقد حميمية مع الشريك خاصة إذا كانت هذه العلاقة مستمرة لفترة طويلة، فإذا انتهت هذه العلاقة، يبكي الرحم كمدًا، وتحدث تغيرات فسيولوجية، فإذا حدث تدخلات في هذا الوقت سبحان الله يحدث مرض، فيجب أن تنتظر مدة معينة، فهذا أيضًا من حكمة العدة.
د. محمود بلال مهران :
هناك حكمة أخرى ففي عدة المرأة المتوفى عنها زوجها تكون أطول من المطلقة وذلك لأنه قد يتوفى الزوج وهما في كامل سعادتهما فكون فترة النسيان طويلة، أما في حالة الطلاق عادة تكون بعد فترة من الشقاق والنزاع فليست تحتاج المرأة لمدة طويلة حتى تنسى ذلك الزوج.
أ. أحمد فراج :
كما أوضحت د. عبلة أنه يجب أن يبقى الزوجين معًا في بيت الزوجية فقد يحدث الله أمرًا، فهناك من يفهم أن مادام وقع الطلاق فهو يخرج من البيت أو هي تخرج من بيتها وتذهب لبيت أبيها، لا ، فهذا غير مطلوب.
د. عبلة محمد الكحلاوي :
عليها أن تتزين وتكون في أحلى ما يراه الرجل، هذا هو الشرع وما غير ذلك فلا يجوز شرعًا، فحتى لو خرجت ترجع لبيتها لتعتد فيه.
أ. أحمد فراج :
يلفت نظري كلمة [ مِن بُيُوتِهِنَّ ] أي هو بيت الزوجة.
أ.د. محمود بلال مهران :
نعم هو بيتها شرعًا والزوج ملزم لتوفير المسكن، فعليها ألا تفارق هذا البيت، لأن هناك من أصحاب النفوس الضعيفة من يريد هذا الطلاق فيساعد على عدم الرجوع، أما إذا مكثا في بيتهما طوال فترة العدة، فلا يعلم أحد بالطلاق إلا هو وهي.
أ. أحمد فراج :
د. محمود سيادتك أرت قضية الحقوق المادية وحق المرأة في المهر، فما هي ؟
أ.د. محمود بلال مهران :
الحقوق المادية تتمثل في المهر والنفقة بأنواعها، بالنسبة للمهر، فإما أن يكون الطلاق قد حدث قبل الدخول والخلوة الصحيحة أو بعد الدخول، فإذا كان قبل الدخول، ففي هذه الحالة يكون لها نصف المهر المسمى وهو شامل مقدم المهر ومؤخره فإذا حدد خمسة آلاف مقدم وعشرة مؤخر فالمجموع خمسة عشر ألفًا، فمن حقها النصف، وهذا خارج عن المسامحة، أي قد يسامحها الزوج ويعطيها المهر والمؤخر كاملين، أو هي تسامحه وترفضهما، أم إذا لم يحدد المهر وحدث الطلاق قبل الدخول فتستحق ما يسمى بالمتعة وهي تقديرية للقاضي أو للاتفاق أو نصف ما يشابه حالتهما.
أما الطلاق بعد الدخول، ففي هذه الحالة إذا كان هناك تسمية للمهر فلها جميع المهر المسمى، مقدمه ومؤجله، أما إذا لم يكن هناك تسمية للمهر فواجب مهر المثل، كأن يكون لها أخت وتشبها في أمور كثيرة فتأخذ بمثل مهر أختها، ثم يأتي موضوع الشبكة فكثير من الناس يسألون هل هي من المهر أم غير ذلك فنقول هي الآن أصبحت من المهر فكثير من الناس يشترطوها ويحددوا لها مبلغًا معينًا، فهذا يخرجها من الهدية إلى المهر، فإذا طلقها قبل الدخول فلها الشبكة، أي تحسب من المهر.
أ. أحمد فراج :
نستكمل الحقوق المتمثلة في السكن والنفقة مع د. عبله الكحلاوي.
أ.د. عبلة محمد الكحلاوي :
في عجالة كما تحدثنا عن الآثار المترتبة على الطلاق، قلنا العدة، وأيضًا جواز زواجها بآخر بعد انتهاء العدة، أيضًا يجب أن تراعى الآداب العامة بينهما، فلا يجوز أن يتحدث عنها وعن سيئاتها، فقد سئل أحد الرجال لم طلقت ؟ قال : لم أذكر عيوبها وهي زوجتي فهل أذكر عيوبها وهي زوجة غيري. وهو أصبح رجل غريب عنها فعليها أن تلتزم بالحجاب الشرعي ولا يجوز بنيهما الخلوة وهذا طبعًا بعد العدة، أما بالنسبة للآثار المالية كما تفضل أستاذنا وذكر الحالات الأربعة، ثم نفقة المتعة، ثم نفقة العدة، ثم نفقة الحضانة، وهذه النفقات قد تجعل الرجل يفكر أكثر من مرة قبل الطلاق، بالنسبة لنفقة المتعة التي يقررها القاضي بحسب المستوى الاجتماعي للزوج، وذلك من باب استعادة المرأة لكيانها خصوصًا إذا لم تكن لها يد في الطلاق، فلابد أن يمنحها هذا المبلغ من باب التراحم بينهما، وأن يكون أيضًا من باب التكافل الاجتماعي، فبنت الظاهر بيبرس أنشأت بيت للمطلقات فقط وكانت تكرمهن فيه، الشاهد يجوز للزوج أن يراعي هذا للزوجة، وهناك من الفقهاء من علق على هذا، وأنا أقول أنه يجب على الزوج إكرام مطلقته إذا كان ميسور الحال فإذا كان سيتزوج فعليه أن يعطي المطلقة شقة، أعطها سيارة، حتى لا تقع في محظور فهي كانت تملك ثم أصبحت لا تملك شيئًا، والرأي الراجح في جمهور الفقهاء أن المطلقة تحصل على نفقة المتعة وهذا تطيبًا لخاطرهن.
ثم نرى نفقة العدة هذه النفقة تجب على الزوج على قدر يساره أو إعساره، وهناك رأي يقول على قدرها هي، كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ” خذوا ما يكفيكن وولدك بالمعروف ” فعليه السكنة والطعام، وعليه أن يحضر لها خادمة إن كانت المرأة ممن يُخدم وكان بوسعه ذلك، وبإجماع الفقهاء تجب النفقة للمطلقة رجعيًا، وبالقول الراجح تجب للمطلقة دائمًا في كل الأحوال، وهناك نفقة أخرى للحضانة، فهي بمثابة أجرة للحاضنة غير نفقة الطفل، كل هذه النفقات على الزوج حتى يفكر تكرارًا قبل كلمة أنت طالق.
أ. أحمد فراج :
الحقيقة كنت أريد أن أضيف نقطة بعدما تفضلت به د. عبلة الكحلاوي عن حق المرأة، وكنا ألمحنا في الطريق ونحن نتناول هذا الموضوع، أن المرأة المطلقة أحيانًا ترث من المطلق، فما حقها في ذلك من خلال الشرع.
أ.د. محمود بلال مهران :
الأصل أن الزوجة ترث زوجها إذا كانت العلاقة الزوجية قائمة بينهما سواء كانت قائمة حقيقة أو حكمًا، كلنا نعلم العلاقة الحقيقية أم العلاقة القائمة حكمًا يرد تحتها فرعان الأول وهو الزوجة المطلقة طلاقًا رجعيًا وتوفى زوجها في العدة، أو توفيت هي فأيضًا يرثها زوجها، لكن الفقهاء استثنوا الطلاق البائن في حالة الموت، فالزوج إذا أقدم على ذلك فيكون الظاهر أن يقدم على حرمانها من الميراث، فيقول الفقهاء أن هذا الزوج يعامل بنقيض مقصوده، وترث منه هذه الزوجة، ثم قالوا متى ترثه ؟ هل إذا توفى أثناء عدتها أم حتى بعد انتهاء العدة، فبدون الدخول في التفاصيل، فنقول بما قال به الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، أنها ترثه إذا توفى وهي لا تزال في العدة، فإذا انتهت عدتها ثم توفى فهي لا ترثه، أما الإمام أحمد بن حنبل قال نرثه بشرط ألا تتزوج من غيره، وهذا مثل ما حكم به سيدنا عثمان ابن عفان عَلَىَ عبدالله بن عوف حين طلق زوجته وهو في مرض الموت.
أ. أحمد فراج :
هنا لابد من عملية إثبات والقانون المصري يأخذ بأي الآراء.
أ.د. محمود بلال مهران :
رأي الإمام أبي حنيفة.
أ. أحمد فراج :
أعتقد أن هذه الحقوق قد تكون كافية حتى نأتي في مناسبة أخرى، ونتمنى أن تتاح الفرصة،و نحن نشكر أ.د. عبلة محمد الكحلاوي، وأ.د. محمود بلال مهران على هذا التوضيح، ونشكركم ونلقاكم على خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.